يقترح متحف بنك المغرب على زواره جولة معرفية في أعماق التاريخ النقدي للمغرب من العهد القديم الى فترة الحماية. بالصور والقطع الأثرية والمقاطع التفسيرية المقتطفة من تآليف التاريخ المعتمدة، يوثق معرض "النقود، الأسعار والرواتب بالمغرب"، الذي افتتح اليوم ويتواصل الى 31 مارس المقبل، لسيرة حضارات اقتصادية تجسدها العملات التي راجت في المغرب من فترات ما قبل الاسلام (118 قبل الميلاد) الى حلول نظام الحماية عام 1912، مع تسليط الضوء على دلالاتها بالنسبة لفهم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ظل الدول المختلفة التي حكمت البلاد. من دينار يوس جوبا الثاني الى أوريوس الروماني مرورا بالدينار المرابطي والموحدي ثم المريني وكذا الدرهم الادريسي والدينار السعدي وصولا الى المثقال العلوي، تشكل محتويات المعرض الذي نظم صباح اليوم جولة موجهة لفائدة الصحافيين، كرونولوجيا نقدية للتاريخ المغربي وتطور القدرات الشرائية في سياقات اقتصادية مختلفة. وتم اعتماد مقاربة بيداغوجية واخراج سينوغرافي حيوي حتى يتمكن الزائر من التعرف على الميكانيزمات الأساسية التي ميزت تاريخ المغرب على مدى مدة زمنية تمتد على طول ألفي سنة. ومن هذه الميكانيزمات، تم التركيز على العملة باعتبارها أداة للتبادل التجاري ووسيلة من وسائل الحكم والسيادة. كما تم من ناحية أخرى،التركيز على القدرة الشرائية المرتبطة ارتباطا قويا بقوة الحكم القائم. وقد أملت هذه المقاربة تناول هذه المواضيع اعتمادا على كرونولوجيا الأحداث، بحيث إن كل واحدة من المراحل التاريخية قد عولجت من خلال ضرب العملة وإصدارها. على أن أهمية العملة المصدرة تبقى مرتبطة بقوتها الحقيقية أي قوتها الشرائية. من هنا يمكن تلمس مكانة أثمنة المواد الاستهلاكية الأساسية بحسب الظروف والسنين، ذلك أن الأثمنة تندرج في نظام تميزه تفاعلات العناصر المؤثرة دوما فيه وهي الحكم والقوى الحية داخل المجتمع والمستهلكون والأسواق. فلكل واحد من هذه العناصر دور خاص: إقامة النظام المصرفي والسهر على ضبطه وسلامته بالنسبة للفئة المتحكمة، والانتاج والتبادل والاستهلاك بالنسبة لعموم الناس. أما التبادل التجاري فهو مرتبط، بحسب الوثيقة التقديمية للمعرض، بقوة العملة ورواجها. فكلما كانت العملة قوية ومستقرة كلما انتعشت القوة الشرائية لدى المستهلك وانتعشت الحركة الاقتصادية. فاختلاف الأسعار الذي كان قائما بين المدن والحواضر إنما هو راجع لدينامية اقتصادها، وكذا للظروف السياسية (الاستقرار أو عدم الاستقرار) أو الطبيعية (الرخاء أو الندرة) المحيطة بها. هذه العناصر الدائمة الوجود في كل حركة اقتصادية هي بارزة الوضوح في هذا المعرض. ومن جهة أخرى، اعتمد المعرض تقديم نماذج من أثمنة بعض المواد الاستهلاكية والقوة الشرائية التي كانت جارية في أسواق الأندلس والشرق الاسلامي، وذلك بهدف إعطاء فكرة عما كان عليه الحال بهذه الأخيرة في القرون السالفة، مقارنة مع الأسواق المغربية. ولاكتشاف الأنماط المعيشية في العصور السالفة، اختار المعرض أن يدمج بعض القطع ذات الأهمية التاريخية الكاشفة من قبيل أدوات الوزن والأواني المنزلية والخزفيات التي كانت تستعمل لحفظ مواد الاستهلاك أو نقلها.