نشرنا في «الأحداث المغربية» في عدد سابق، خبر إشراف وزير العدل مصطفى الرميد شخصيا على إجراءات نصب الكمين، واعتقال قاض في طنجة بتهمة الارتشاء. ودون المس بقرينة البراءة للمتهم، إلا أن هذا السلوك من الوزير يجب التصفيق له بحرارة، لأن ما قام به جزء أساسي ومهم في ورش تخليق الحياة العامة في البلاد.التصفيق الحار للرميد يستهدف استحسان هذا الفعل ووضعه في كفة حسنات الرجل، وأيضا من أجل تشجيعه للمضي بحماسة في الاستمرار في هذا الورش الكبير الذي يمكن اعتباره أهم ورش في المغرب الآن، انطلاقا من أنه يلامس أخطر ملف يواجهه المجتمع المغربي الذي يرى بأم عينيه الفساد مستشر في جل مناحي حياته العامة والخاصة، في خرق واضح للمواطنة الكاملة والعدالة الاجتماعية. وقد سبق أن تطرق هذا الركن إلى ورش تخليق الحياة العامة، وقلنا فيه بأنه هو الورش الذي ستجد فيه حكومة بنكيران نفسها محاطة ومدعمة من المغاربة بكل انتماءاتهم الفكرية والإيديولوجية. لقد كان المغاربة يتوسمون خيرا في حكومة التناوب التوافقي في أن تحارب الفساد والرشوة واقتصاد الريع. لكن صدمتهم كانت قوية جدا. وهم اليوم يعتبرون هذا الورش قابلا للتحقق مع الحكومة الحالية، والتي إذا ما نجحت في هذا الشأن، ستكون أدت خدمة كبيرة لهذا البلد. إن العديد من المواطنين الذين يعبرون عن سخطهم على مسؤولي البلد وسياسييه، إنما ينطلقون في إحساسهم ذاك من كونهم يشاهدون فاسدين مرتشين لا يطالهم العقاب. والأدهى من ذلك، أن الفساد أصبح بنيويا في شتى القطاعات، ويمارس ب«العلالي» أحيانا،دون أن يجد رادعا له. والإفلات من العقاب هو،بشكل أو بآخر،تعميق لتغييب العدالة الاجتماعية،و ترسيخ للظلم واللامساواة. إن تنقية الإدارة والحياة العامة من الرشوة لا محالة يعتبر سبيلا نحو تنقية البلاد من أحد أسباب التخلف، ومن عراقيل التنمية، ومن عوامل استمرار مسببات الهشاشة الاجتماعية. ومحاربة الفساد، والرشوة هي أم الفساد، من أهم أوراش تحقيق دولة المؤسسات والديموقراطية وحقوق الإنسان. والإرادة السياسية في هذا المجال مطلب مستعجل. وتفعيل آليات المراقبة وتطبيق مبدإ عدم الإفلات من العقاب، أدوات ناجعة للحد من هذه الآفة التي بلغت مستوى يسيء إلى المغرب وإلى كرامة المغاربة.