الشعار الذي ترفعه حركة 20 فبراير وتطالب فيه بإسقاط الفساد، هو شعار لكل المغاربة. طبعا ليس بالمقصود الذي ترمي إليه الجهات التي هيمنت على الحركة والذي تربطه بالقومة وبناء دولة الخلافة.ولكن هو الفساد الذي يواجهه المغاربة بشكل يومي في الإدارة والوزارة والمحكمة والمقاطعة، وفي كل مناحي حياتنا اليومية. إنه الفساد الذي يضع مغاربة في مراتب أكثر من المغاربة العاديين ويفتح أبواب لأناس دون غيرهم، ويعطي صفقات وامتيازات لأناس دون غيرهم، ويغني أناس على حساب أناس آخرين، ويرتب المغاربة إلى أصناف، من بينهم أناس لا يطالهم القانون.إن الفساد هو الرشوة والزبونية والمحسوبية واقتصاد الريع والامتيازات والغش والتلاعب وهلم جرا... لكن الأخطر من كل هذا هو الفساد السياسي لأنه هو الذي يؤسس لكل أنواع الفساد في البلاد. ومع كامل الأسف فهذا هو الفساد السائد بيننا بتواطؤ مكشوف. وكان إلى وقت غير بعيد من تاريخ المغرب أسلوبا ممنهجا يتبعه النظام لمواجهة خصومه. فقد أسس النظام في تلك المرحلة لثقافة سادت مجمل الحياة المغربية بتيسير شروط الانتفاع الشخصي للذين يواجهون معارضيه في إطار المعركة التي كان يواجهها من قبل أحزاب المعارضة. وهكذا تم تشكيل تنظيمات انتهازية تصول وتعيث في البلاد ومؤسساتها فسادا، لكنها بعيدة عن كل مساءلة ما دامت تردد الشعار الذي أبدعه إدريس البصري «كولو العام زين».هذه السياسة طبعا أوصلت المغرب إلى مشارف السكتة القلبية. والتربية على الفساد الذي أسست له، يهدد المغرب اليوم بالسكتة الاجتماعية. الفساد كسلوك سياسي ما زال سائدا في بلادنا، تمارسه أحزاب سياسية حينما تزكي الفاسدين المنتفعين ليسيروا الجماعات أو ليشرعوا في البرلمان. وما يطلق عليهم سماسرة الانتخابات مازالوا موجودين ومجموعة من الأحزاب تبحث عنهم وتطلب خدماتهم.ولا شك أن كل الأطراف المستفيدة من هذا الوضع تعمل على استمراره وتشكل قواعد مقاومة وتتوفر في ذلك على الأدوات التي اكتسبتها على مدار أربعة عقود مضت. إن التغيير لن تقوم له قائمة في المغرب ما لم يتم قطع دابر الفساد. ولن يتأتى ذلك إلا بتفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب. وهذه مسؤولية الدولة أولا.