جروح لاتندمل، تجعلهم يغوصون في لجج النصب، لتحصيل مكاسب مادية وغايات معنوية، ووسائلهم : الخداع .. المكر .. الحذق والمراوغة، والاحتيال، كل الوسائل مباحة لإدراك مبتغاهم، وإرواء عطش أحقادهم والانتقام من شركائهم في رابطة الزوجية ! كانت تقف في القفص وحدها بعيدة ومنزوية، أصابعها مرتعشة وعيناها محمرتان، تركن بكتفها على الحائط الجانبي، لا أحد، معها في قاعة المحكمة .. لا زوج ولا أقارب .. وحيدة تمامًا. بداية قصتها المثيرة كانت مع واقعة زواج فاشل، شكل صدمة قوية لها، بعد أن فشلت في الانخراط في حياة زوجية رفقة زوج غني، وقف بخله حاجزا بينهما، وبين الوفاء بتلبية جميع طلباتها، مما اضطرت معه بعد سنوات من الحياة الزوجية المشتركة إلى رسم سيناريو محبوك للنصب عليه، خاصة بعدما ضبطته يخونها! نصب وانتقام بعد الخيانة! كانت بديعة تعيش حياة هانئة رفقة عائلتها الصغيرة، بإحدى مداشر منطقة الغرب، حيث شبت وترعرعت، وتعلمت طقوس العيش البدوي، وتقاليده وأعرافه. في سن السادسة عشر من عمرها أبانت عن مظاهر أنوثة طاغية، ومستوى طيب من «الحذاقة»، وفنون تدبير المنزل من طبخ وغيره من الأعمال التي تقوم بها الشابات الناضجات، مزايا لم تكن لتمر مرور الكرام على أنظار العديد من شباب «الدوار» التواق للارتباط بها، نظرا لتميزها وتفردها عن غيرها من فتيات «لقبيلة». بعد مدة وصل صيت الشابة الجميلة إلى بعض العائلات البدوية المستقرة بمدينة «سيدي قاسم»، حيث تقدم أحد الشباب المتعلم لخطبتها، غير أن عدم توافق الأهلين، حول بعض التفاصيل الدقيقة، جعل من مشروع الزواج المبكر، فرحة في مهب الريح. نقطة التحول في حياة «بديعة» كانت مع حضورها، لحفل زفاف عائلي أقيم بمدينة «الدارالبيضاء»، حيث لم تسلم من بعض النظرات الشاردة، التي كانت تتتبع كل حركاتها وسكناتها. بعد شهرين، وجدت «بديعة» نفسها زوجة لرجل من أبناء عمومتها، بمدينة الدارالبيضاء، تاجر يملك محلات ببعض الأسواق التجارية بالمدينة. كانت الشهور الأولى للزواج، شهورا مثالية من حيث المعاملة، والحب المتبادل، الذي أثمر عن دخولها نادى الأمهات، بعد أن أنجبت طفلا، أصبح الاعتناء به، شغلها الشاغل لسنوات. بدأت بعد مدة من ذلك تلمس قصر يد زوجها عن تلبية طلباتها الخاصة، رغم علمها بثرائه ويسره، مستجد جعلها تضرب أخماسا في أسداس حول الخطوات المفاجئة لزوجها اتجاهها. لم يتطلب الأمر غير أيام قليلة، لتصطدم بواقع زوجها، وعلاقاته غير الشرعية بمجموعة من النسوة، حيث حملت لها الأخبار أن زوجها يغدق بدون حسيب ولا رقيب من ماله الخاص على مجموعة من المومسات، نظير تلبية رغباته الجنسية الطائشة. حسمت «بديعة» أمرها بعد ذلك، حول ضرورة مواجهة زوجها، بحقيقة مغامراته الساخنة، لتصطدم بجواب جاف، لم يشفي غليلها .. «هذوك راهم صحاباتي قبل مانتزوج بك»! بعدها وصلت العلاقة بين الزوجين إلى النفق المسدود. هجر الزوج دفء سرير زوجيته، بينما استسلمت «بديعة» لمشاعر الحقد، ونار الانتقام، التي جعلها تضع سيناريو محبوك، للظفر بمعركة استرداد الكرامة، والنيل من زوجها. سيناريو «بديعة» ارتكز على استغلال حالة السكر الطافح، الذي تنتاب زوجها بالبيت، من أجل إجباره بذكاء على التوقيع على وثيقة عدلية، يتنازل بمقتضاها عن محله التجاري الرئيسي، الذي تبلغ قيمته المالية مئات الملايين من السنتيمات، وذلك بتواطؤ مع شخص من أقرباء أمها، أسر لها بقدرته على النصب على زوجها بكل بساطة. مرت العملية كما كان مخططا لها، وتمكنت من الحصول على توقيع زوجها، بعدما استطاعت استثارته وهو في حالة تخدير تام. غير أن مستقبل الأيام حمل لها، أنباء غير سارة، بعدما تفطن زوجها، لعملية النصب التي سقط ضحية لها ليبدأ مسلسل السقوط، الذي بدأ بتطليقها، وبرفع دعوى قضائية ضدها، جعلتها تقضى خمس سنوات في غياهب السجن بتهمة «النصب والاحتيال» ! ينصب على زوجته بسبب «البراكة» و «الطليان»! كانت قصة أشبه بالخيال، جعلت ضابط الشرطة القضائية، يستسلم لضحكات من نوع خاص، حينما يختلي بنفسه، وهو يتذكر تفاصيل الواقعة .. «شيحاجة في شكل زعماك .. سبحان الله وصافي» ! كان «عبدالسلام» يعيش في إيطاليا، كمهاجر غير شرعي، لسنوات تمكن خلالها من جمع مبالغ مالية محترمة، كان يرسل بعضها على شكل دفعات لزوجته وأهله بالمغرب، قصد اقتناء «براكات» يمكن أن تصبح في يوم من الأيام «نمرات»! استمر «عبدالسلام» في كده، كعامل بأوراش البناء بإيطاليا، يكابد شظف العيش من أجل تحصيل المال، وتمكين زوجته وأنصهاره من مبالغ مالية في إطار شراكة بينهما. بعد مضي ثلاثة سنوات، استفاد من أوراق الإقامة بالديار الإيطالية، وقام بأول زيارة عائلية له، زيارة كان يمني نفسه من خلالها، أن تمر في أحسن الأحوال، رفقة زوجته و أهله، كما وضع نصب عينيه تفقد مشاريعه الشخصية التي كان يعلم بتفاصيلها عن طريق الهاتف. عاش الأيام الأولى من العطلة المفاجئة، والسعادة تغمرته في أحضان زوجته، بعد طول فراق. بعدها عقد العزم على تفقد «براريكه»، التي تحولت بقدرة قادر إلى «براكة» يتيمة، يشير عقد تفويتها إلى كون زوجته مالكة وحيدة، بينما بقية «البراريك» كانت عقودها تحمل أسماء أصهاره، بعد أن قامت زوجته، بعقد وكالة مفوضة لفائدة أشقائها، وذلك بدعوى أنهم سيوثقون عقد تنازل لصالحه. وضع لم يجد معه «عبدالسلام»، غير الاستسلام لواقع الحال رغما عنه، تظاهر بقبول أعذار الزوجة والأصهار، بينما بواطنه حملت مشاعر الرفض والرغبة الجامحة في الانتقام، بعدما أحس ب «الحكرة»، حسب إفاداته لرجال الأمن. كان خبر حصول «عبدالسلام» على بطاقة الإقامة بشارة خير، زفها لزوجته وأشقائها، وجعلهم يعيشون في أحلام الغربة المربحة، التي ستمكنهم من تحسين مستواهم المعيشي، واقتناء المسكن اللائق. كانت الحيلة التي رسم الزوج خيوطها في مخياله، تقوم على استرجاع أمواله المنهوبة، بأية وسيلة، المهم عنده هو تحصيل غايته. بعد أيام تقدم لديه أحد أصهاره، للتوسط له في إمكانية تهجير ابنه، فوافق بعدما اتفق معه، على مصاريف التهجير، الذي حدده في 60 ألف درهم، لتفاجأه الزوجة بدورها في رغبتها للهجرة رفقته، حيث أقنعها بضرورة الحصول على عقد عمل، لتسريع وتيرة إنجاز الوثائق اللازمة، حلم الهجرة جعلها تبيع «البراكة»، وتسلم ثمنها لزوجها. استمر «عبدالسلام» في قبول عروض الأصهار، وتسلم دفعات مالية أولية منهم، قصد شراء عقود عمل تسمح بالهجرة لهم نحو الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، وكان يسلمهم بالمقابل اعترافات بدين مزورة. حصد «عبدالسلام» مامجموعه 17 مليون سنتيم، وحزم حقائبه باتجاه إيطاليا، وهو يهنىء أصهاره على جنة «الإلدورادو»، التي دفعتهم لبيع «البراريك»، لضمان مستقبل لأولادهم العاطلين. بعد أسبوع اتصل «عبدالسلام» بزوجته، وفاجأها بمكالمة صادمة .. «الله يعاونك .. سيري طلب طلاق من القاضي .. وقولي لخوتك على سلامتكم»! لم يجد الأصهار المصدومين بدا من تسجيل شكايات، بأنهم سقطوا ضحية عمليات نصب واحتيال من زوج أختهم المهاجر بإيطاليا، الذي سقط في قبضة الأمن بعد سنتين من الوقائع المذكورة. «مدير خير مايطرا باس» ! منذ سنوات وهي تستلطفه كثيرا، شاب طويل وسيم، لكن عيبه الفقر، بينما هي سيدة خمسينية ثرية، تعيش وحيدة بعد وفاة زوجها، الذي ترك لها ثروة ضخمة. منزل صيفي فخم، وأراض فلاحية، وفندق سياحي يدر أرباحا طائلة. لم تستحمل «بهيجة» الوحدة القاتلة، وحالة الفراغ التي أصبحت أسيرة لها بعد مضي سنوات على وفاة زوجها الثري. كانت الصدفة وحدها هي التي جمعت بينهما، ذات مرة، حينما أصيبت سيارتها بعطب على الطريق الفلاحي، ولم تجد غير «الحسين»، الذي كلف نفسه عناء إصلاح العطب الطارىء، بسبب طبيعة عمله كتقني آلات فلاحية. توطدت بعدها العلاقة بينهما بعدما أصبح مكلفا بصيانة العتاد الفلاحي بالضيعة التي تمتلكها «بهيجة». «الحسين» الذي يعاني من اليتم، وتجاوز سنه الثلاثين، كان كثيرا ما يقع على مسامعه من طرف أصدقائه، دعوات بضرورة عرض الزواج على مشغلته التي تستلطفه وتستسيغ أمانته وإخلاصه. بعدما ظلت أمنيته حبيسة جدران غرفته الصغيرة، عقد «الحسين» العزم على البوح بحقيقته المكتومة ل «بهيجة»، وفيما يشبه قصص عالم الأحلام، تقدم «الحسين» لخطبة مشغلته، التي وافقت بدون شروط، على الارتباط رسميا به، وهو الذي تكن له مشاعر من نوع خاص! بعد مرور أسبوعين، تم عقد قرانهما، واستسلما لحياة الزوجية التي أعادت «بهيجة»، لسابق شبابها، بينما جعلت «الحسين» محدث النعمة، يتحسس أولى خطواته في عالم الثراء. الحياة الجديدة سرعان ما جعلت «الحسين»، الذي عانى من حياة الفقر واليتم والحرمان، ينخرط بكل كيانه في حياة البذخ والتبذير، حيث خصصت له زوجته وديعة، وحسابا بنكيا شخصيا، بعشرات الملايين من السنتيمات. استمر الزوجان في حياتهما الهادئة والسعيدة لشهور، أصبحت بعدها طباع الزوج محل شكوك من طرف الزوجة، نظرا لغيرتها المفرطة. أصبحت «بهيجة» تقضي ساعات النهار في التجسس على تفاصيل حياة زوجها، واستفسار سائق الضيعة عن ملابسات، رحلات زوجها الخاطفة نحو المدينة، لكنها لم تستطع أن تعثر على دليل ملموس يدين زوجها الشاب، لتغير من خطتها بعد أن تمكنت من إرشاء السائق، لتتبع خطوات الزوج، خلال جلسات سمره الليلي مع أصدقائه القدامى، الذين استدرجوه ذات ليلة لتزجية الوقت في مخالطة بعض بائعات الهوى، حيث سقط في شراك إحداهن، وأصبح يغدق عليها من مال «بهيجة»، التي امتنع عن معاشرتها، وقضاء رغباتها المشروعة. مستجدات دفعت بها، إلى التفكير في التخلص من عبء الزوج الطائش والانتقام منه، بحيلة ساقتها إليها الأقدار صدفة، حينما دق باب الضيعة يوما، فقيه من بلدة مجاورة، صادف وجوده غياب الزوج، حيث عرض الفقيه خدمة خاصة على الزوجة الثرية، تتلخص في وجود كنوز محمية بالجن، في أحد حقول الضيعة، معطيات استغلتها «بهيجة» بذكاء في سبيل التخلص من «الحسين»، بعدما تأكدت بدهاء من زيف ادعاءات الفقيه، لتستعمله كورقة رابحة للنأي بنفسها عن الزوج الجاحد، بعد ذلك دخلت في صفقة مدبرة للنصب على زوجها بمعية الفقيه، الذي وعدته بمبالغ مجزية في حالة استطاع إقناع زوجها بأمر الكنوز المخبوءة. عاد الفقيه في اليوم الموالي، وعرض الأمر على الزوج الذي بدا كأنه منوم مغناطيسيا، حيث وافق مبدئيا، في انتظار أن يرى بعض قطع ذهب الكنز بأم عينيه، وهو ماحصل، بعدما استطاع الفقيه رفقة فريق عمله من توهيم «الحسين» في ليلة ظلماء بوجود خابية مملوءة بقطع ذهبية، واقترح عليه في حالة الحصول على كل محتويات الكنز، دفع مبالغ مالية طائلة لجلب بخور وماء سحري خاص، وبعض المستلزمات الأخرى. دفع «الحسين» كل مايملك، وكسر وديعته الشخصية، واستمر في دفع المال لأسابيع، إلى أن تيقن أنه قد سقط ضحية عملية نصب واحتيال غريبة. لم يستسغ الزوج ماحل به، فانخرط في حياة المجون، بعدما أدارت له الزوجة ظهرها نكاية به، ولم يستفق من غفلته، إلا وهو في سيارة الدرك الملكي مقيد اليدين، بعد ضبطه متلبسا بممارسة الفساد، بعد وشاية خفية من «بهيجة»، التي نجح محاميها في كسب قضية طلاقها، بينما عاد «الحسين» بعد قضاء مدة سجنه، لحياة الفقر والحرمان ! محمد كريم كفال