"يتجلى أحد أهداف تنظيم " داعش" في أن يشعر المسلمون في أوروبا بالإقصاء والتهميش، ما سيجعل إمكانية تجنيدهم أسهل. ... إذا كنا نود ضرب مخططات الجهاديين، فينبغي علينا التمسك بثقافة الترحيب، والاستثمار بشكل جدي في مجال دمج اللاجئين، كي يبقى اللاجئون بعيدي المنال عن مخططات الإرهابيين. إن أكبر خدمة يمكن أن نقدمها لهؤلاء الإرهابيين هو أن نقوم نحن بالحد من حريتنا، وأن نغلق حدودنا، ونخون إنسانيتنا، ونتخلى عن الحق الأساسي للجوء أوعن انجازاتنا الحضارية الأخرى". يلخص هذا التعليق لمجلة دير الشبيغل الألمانية المنحى التي سارت فيه وسائل الاعلام الألمانية بعد أحداث باريس الارهابية. فبدون استثناء نأت الصحافة الألمانية وكل التظيمات الحزبية الديموقراطية في ألمانيا بنفسها عن تبني خطاب شعبوي يقرن بين المهاجرين والارهاب، خاصة على ضوء الجدل السياسي الذي تشهده البلاد على خلفية أزمة اللاجئين. وفي سياق متابعة الأحداث في فرنسا بعد أحداث باريس، يبدو أن الاعلام الألماني يوجه عتابا خفيفا للخطاب السياسي الفرنسي ويثير انتباهه إلى عدم السقوط في الفخ وصب مزيد من الزيت على نار الاحتشاد داخل المجتمع الفرنسي والذي يصب في صالح اليمين المتطرف. إذ تشهد النخب السياسية في بلاد فولتير نوعا من المنافسة السياسية في التعامل مع المهاجرين. ففي الوقت الذي دعا فيه الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند إلى تمديد حالة الاستثناء لثلاثة أشهر، طالب ساركوزي بإقامة مركز للاقامة الجبرية للمتطرفين، أما زعيمة الجبهة الوطنية فراحت تبشر بخطاباتها العنصرية كعادتها. مع العلم أن السؤال الحقيقي الذي يظل مغيبا لحد الآن، ما الذي يدفع بشباب ولد وترعرع في المجتمعات الغربية وتلقى تنشئتها الاجتماعية إلى التطرف؟ هنا تحضرني قولة بليغة للحكيم نالسن مانديلا: "لا أحد يولد لكي يكره الآخرين". لنحاول تأمل هذا التعليق البليغ لبيتر فري رئيس تحرير القناة الثانية الألمانية ZDF وهو يحاول أن يضع الأمور في نصابها: "الإرهاب يعني الترويع، وهذا بالضبط ما كان يهدف إليه قتلة باريس. كانوا يسعون إلى زيادة توسيع الشرخ الذي ظهر عند الفرنسيين منذ أحداث شارلي إيبدو. ومن خلاله زرع حالة من التشكيك وعدم الثقة في النفس في فرنسا وباقي دول أوروبا. لا أحد يصدق أن ما حدث، مجرد صدفة. ففي ليلة خوض المنتخب الألماني لمقابلة رياضية، تنفجر قنابل بالقرب من استاد دي فرانس، كي تنتهي مبارة ودية في حالة من الرعب والفوضى. هذا يعني أن ألمانيا هي الأخرى معنية. إننا الآن أمام مهمتين: الأولى وهي أنه من واجبنا الوقوف إلى جانب فرنسا "تضامن لا محدود" بنفس الحجم الذي سبق ووعدنا به الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد الأحداث الارهابية للحادي عشر من سبتمبر، بل أن فرنسا تستحق أكثر من ذلك. من الضروري أن نساعد البلد الجار، كي لا تنهزم أمام الارهاب، خوفا من الارتماء في أحضان اليمين القومي للجبهة الوطنية لمارين لوبان. إنها مهمة أوروبية أيضا. لا يمكن أن تستمر أوروبا في الظهور بمظهر الضعيف جدا. لابد من توحيد الجهود في التعامل مع أزمة اللاجئين، لتوفير الشعور بالأمن وادماج للأقليات بشكل واعي. وهو ما سيفشل خطط الذين يلعبون على عامل الخوف. إنهم مجرمون يستغلون دينهم، وهذه ثاني المهام. لا تجعلوننا نعتقد أن جميع المسلمين قنابل موقوتة. إن الارهابيين مضللون وقتلة متعصبون ومجرمون يستغلون دينهم دون خجل. وكما قال دافيد كرماني في حفل تسلمه لجائزة السلام في كنسية القديس باول في فرانكفوت المسلم ، قبل شهر: "يجب أن نرفع صورة للاخاء مقابل فيديوهات لقطع الرؤوس لما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية". لقد كانت ليلة القتل في باريس شريط فيديو عنيف بث مباشرة على الهواء في جميع أنحاء العالم. وكانت رسالة موجهة لنا جميعا. لا ينبغي أن نكتفي بالنظر فقط، و لا ينبغي أن نسمح بأن يسيطر الخوف علينا. فمواجهة الارهاب لا يكون إلا بالعزيمة والاصرار وتوحيد الصفوف". يبدو أن الرئيس الفرنسي وهو يطالب باصلاحات دستورية، يسير في اتجاه تطبيق قانون "باتريوت آكت" التي اعتمدته الولاياتالمتحدةالأمريكية بعيد اعتداءات 11 سبتمبر 2001. قانون يجعل المواطنين متهمين إلى أن يثبتوا براءتهم. لعقود كثيرة ظلت سياسة الهجرة في الدول الغربية محتشمة وتتعامل مع المهاجرين كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وغضت الطرف عن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها شباب الأسر المهاجرة. فتهميش المهاجرين يجعلهم لعبة سهلة المنال في أيدي التظيمات الارهابية. كما أن التردد في الاعتراف بأن الاسلام أصبح جزء من المجتمعات الغربية، يزيد من احتقان الوضع ويجعل المساجد رهينة التمويل الخارجي الذي يعبئ روادها بالتطرف. قبل عقد من الزمن، تفجرت ضواحي المدن الكبرى في فرنسا، وماذا كان رد السياسة الفرنسية تجاه هذه الانذارات؟. لقد أضحت الضواحي قنابل موقوتة، كانت في السابق، لعبة في أيدي عصابات السرقة والاجرام، وهاهي الآن تتحول إلى خزان بشري للتنظيمات الارهابية، قد يأتي على الأخضر واليابس ويهدد التعايش المشترك.