ألهبت فرقة سعيدة فكري أجواء السهرة الختامية للملتقى الشعري والموسيقى «تموايت» التي امتدت فقراته من الخامس نونبر إلى التاسع منه، حيث استقطبت السهرة الأخيرة جمهورا واسعا من شباب ورزازات غصت بهم القاعة الرئيسية لقصر المؤتمرات، والذين كانوا يرددون مع سعيدة فكري كلمات أغانيها التي يحفظون أغلبها، بل كانوا هم من يختار الأغنية، فلا تجد سعيدة فكري، بتلقايتها المعهودة، غير الإستجابة لما يطلبه الجمهور. وعندما قررت أن تخص جمهور «تموايت» من عشاق الكلمة الرصينة والنغمة الشجية، اختارت أن تؤدي أغاني من ألبومها الجديد بعزف منفرد على القيثارة التي تعشق الترنم بها، فتصدر منها عزفا شجي الأنغام تتقاذفه أوتارها، هي التي تجيد الإنصات للدواخل، لتنقل صورا من معيش المقهورين. ظلت سعيدة فكري مخلصة لطريقتها في الغناء، كلمات وألحانا، تغني للمحرومين وانكساراتهم، وتُرَبت بكلمات ذات معان عميقة أحيانا، وبسيطة أحيانا أخرى، على أكتاف المقصيين، وحتى عندما تختار الغناء للوطن والتماهي مع الإنجازات، فإنها تكتفي بالإشارة، وتتجنب الكلام المباشر الذي قد يغيب عنه الصدق… وفي لحظة الرجوع إلى «الريبتوار» لهذا الطائر الفني، الذي اختار الهجرة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، دون أن ينسى الوطن، أو تنسى سعيدة أبناءه الذين يتفاعلون بتلقائية كبيرة مع أدائها، عرجت على القديم. ومن القديم من أغانيها عادت إلى «جبال الريف» لِتُسَائِلها عن السر وراء كذبها، والظهور بوجه فرح، هي التي حملت على وجهها ندوبا بقدر ما عاناه سكانها، فارتسمت أخاذيد أكثر من مرارة وشظف العيش.. وفي جميع فترات حصة غناء فكري ظل الجمهور متجاوبا مشجعا، متلهفا للمزيد الذي لم تبخل به ابنة البيضاء، على جمهور مهرجان «تموايت» من أبناء ورزازات. لم تكن الموسيقى والغناء هي مسك ختام الملتقى، بل قبلها كان الجمهور مع موعد مع الكلمة والأداء الشعري، الذي أرهف له الجمهور الذي غصت به القاعة السمع.. فمن تونس الياسمين كانت مشاركة الشاعرة «ماجدة الظاهري»، ومن سوس كان صوت النظم الأمازيغي المرهف الإحساس الذي مثلته الشاعرة «نزيهة أباكريم» من تزنيت. ولعشاق القريض المنظوم بلغة موليير، كان الموعد مع الشاعرة «فاطمة شهيد» من البيضاء التي اختارت إلقاء خمس قصائد من ديوانين مختلفين لها، لكن بقصيدة عن الأم تحمل عنوان «Ma mère» أبكت شاعرة البيضاء الكثير ممن حضروا آخر سهرات «تموايت». فبإحساس مرهف، وبعبارات رائقة تغنت بالأم التي وإن غادرت دار الأحياء، فإن حاضرة بصور شتى في يومي الشاعرة. وبمنطق المشترك بين المتلقي والشاعر كانت حرارة المشاعر التي أبكت الكثيرين، ببكاء الشاعرة، وهي تختم احتفالها بأعز مخلوق في حياة الأفراد. من ديوانين مختلفين، انتقت الشاعرة فاطمة شهيد قريضها، ديوان «من رماد وجمر»، و«المتمردة»، لتشدو «فارسة الصحراء» التي قد تكون صورة لابنة تارودانت التي هي الشاعرة ذاتها. ولأن مهرجان «تموايت» احتفال بحجم الحلم والحب، الذي كبر وترعرع إلى أن بلغ التاسعة من العمر، بين أبناء ورزازات، فكان مهرجانا منهم وإليهم.. ولأن المهرجان لا يعتقد في مقولة «مطرب الحي لا يطرب»، كانت مشاركة ابن ورزازات الفنان «لحسن خوختو» الذي تغنى بمدينته وغنى لها، هو الذي ألف غناء الطربي من الموسيقى، وأغاني مارسيل خليفة.. لكنه في ليلة ختام مهرجان «تموايت» كان ورزازيا خالصا، ومغربيا في الأداء والترنم. وقبله كانت الرحلة التي قاد فيها «أمير الناي» الفنان رشيد زروال الجماهير إلى الأندلس، عندما اختار توليفة مع الفنانة الرقيقة سامية أحمد ابنة آسفي العاشقة للتراث، المبحرة في عوالمه الخلابة. وقبل الفراق ضرب المنظمون موعدا في دورة عاشرة يتمنونها أرقى وأبهى من أجل مدينة ورزازات البهية.