"في ردك الكثير من الضجيج والقليل من الحديث" قولة بليغة لحكيم سويسري يدعى فالتر فيرست. هذا ما أخشاه شخصيا، من ردود الفعل التي بدأت تنتشر هنا وهناك، ردا على الملخص التنفيذي للتقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الانسان حول المساواة بين الجنسين والمناصفة في المغرب. فعندما يطلق النائب البرلماني كلاما على عواهنه كاتهام المجلس بالهرطقة وأنه مجلس لم يسمع به أحد، بحسب أحد المواقع الالكترونية، فعندما أقرأ مثل هذه الهرطقة، أقول أن زعيم الفلاحين السويسريين كان مؤدبا كثيرا في حقنا. بل أن السيد النائب المحترم أضاف والعهدة دائما على الموقع: أن المجلس "لا يهتم بقضايا الحريات العامة ومعاناة المعتقلين والناشطين، في حين يشتغل على مواضيع تكون محسومة سابقا، لذا فهو يقوم بهرطقة مبرمجة من أجل شغل الناس واستفزاز مؤسسات أخرى". طبعا أسباب النزول هي التوصية الرابعة في الباب الأول من الملخص. أعتقد أنه من باب الاجحاف وقصر النظر ، حصر كل المجهود الذي جاء به المجلس في هذا الملخص المكون من أربعة وعشرين صفحة، في حين أن التقرير المفصل يقع في سبعين صفحة. حصر كل هذا المجهود في نقطة واحدة ووحيدة ألا وهي قضية الارث، والتي تبقى نقطة في بحر كل أشكال التمييز واللاانصاف التي تضمنها الملخص. إذ صنفها في ثلاث أبواب: وهي الممارسة الاتفاقية والمفارقة القانونية وثانيا المساواة والمناصفة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاجتماعي وأخيرا السياسات العموميةوآثارها على النساء الأكثر عرضة لانتهاك حقوقهن. لقد جاء لتقرير ليجرد وبشكل دقيق كل مظاهر الحيف في حق نصف المجتمع. وبدل نعطي لأنفسنا الفرصة لفتح نقاش عمومي حول مختلف القضايا الواردة في التقرير، بدأنا نشحذ السكاكين والسيوف والمقاصل تجاه الأشخاص. ولأننا لا نتقن سوى لغة الحشد إما مع الشيطان أو ضده، لتبدأ لغة التخوين ومن بعدها التكفير في أفق أن يعيش الشارع حالة من الاقتسام الحاد. لندع هذه اللغة جانبا ونفتح قوسا على الواقع المرير الذي تعيش المرأة في كل مجالات الحياة. أليس عيبا بل من العار أن نتمثل هذا النموذج؟ لنتصور مثلا أن أبا وأما رزقا اربع بنات، بالكاد أن استطاع الأب اتوفير مسكن للأسرة، بعد سنوات من الجهد والتقشف. وعندما يموت الأب، يظهر شقيقاها، اي عّم البنات، وقد يكونا ميسورين ليطالبان أسرة شقيقهما الهالك بحقهما الشرعي في الميراث الذي خلفه المرحوم، أي البيت الوحيد الذي يحتضن الاسرة وتسمى في اللغة الفقهية بالتعصيب. فهل هذا هو مفهوم العدل والانصاف الذي تنشده مقاصد الشريعة ؟ هذا غيض من فيض الأمثلة. لماذا نضع الموانع أمام الناس للتصرف في أملاكهم خلال حياتهم لضمان توزيعها بالعدل على المستحقين من الأصول ؟ إن النقاش حول الارث ليس نقاشا جديدا، بل أنه طرح في منتصف القرن الماضي، مع المرحوم علال الفاسي، كما اثير مع المفكر عبدالله العروي والعديد من الاجتهادات كانت غايتها تحقيق المقصد الأساسي للشريعة وهو العدل والانصاف. إن النقاش الحقيقي هو الذي يشمل كل أوجه اللاعدل واللامساواة والتمييز والحيف في حق النساء، وليس فقط قضية الارث. إن من يريد أن يحصر النقاش في هذه القضية فقط، فهو يحاول أن يعطل نقاشا جوهريا يتعلق بجزء أساسي من المنظومة الحقوقية التي تقر بالمساواة بين الجنسين في الحقوق. أتمنى أن ننجح هذه المرة في تدبير اختلافاتنا وأن يكون الدستور الذي أقره المغاربة حكما بيننا، حتى نقلب حكمة فيرست ليكون الحديث مفيدا. محمد مسعاد