لم يتمكن العديد من قادة حزب «العدالة والتنمية» من لجم ألسنتهم وساروا على نفس نهج التصريحات الشعبوية التي كانت رافد أدبيات معارضتهم. لكن بعض التصريحات أحرجت الحزب ومن شأنها أيضا أن تعمق حالة التشكك في اعتدال هذا الحزب الإسلاموي، مما قد يخلق للمغرب مشاكل هو في غنى عنها، خصوصا من طرف بعض شركائه الأساسيين. فعلى سبيل المثال قضية القطار الفائق السرعة أو مسألة الشراكة مع مجلس التعاون الخليجي، التي لم يستطع بعض القياديين في هذا الحزب أن ينتقلوا في تفكيرهم من مستوى المعارضة إلى مستوى رجال الدولة المسؤولين الذين يضعون مصلحة البلاد فوق كل تكتيك حزبي ضيق. وفي اعتقادي، فإن هذا الأمر لا يرتبط فقط بقلة التجربة وعدم ممارسة تدبير الشأن العام، بقدر ما هو مرتبط بثقافة حزب «الإسلاميين المعتدلين» التي تقوم أساسا على الشعارات الرنانة التي تستهدف بالدرجة الأولى تليين قلوب الكتلة الناخبة. وشعارات العدالة والتنمية لاتقتصر فقط على الجانب التدبيري للملفات، بل أيضا على ذلك المكبوت من الأفكار التي يقوم عليها فكر العدالة والتنمية؛ وهي أفكار تصلح كشعارات فقط وستجد صعوبة كبيرة في تطبيقها، مما سيسقط إخوة بنكيران في نفاق يخفي أشياء كثيرة وراء الخطاب المصرح به. ولقد ظهر منذ البداية أن ما يقوله بنكيران حول عدة قضايا، خصوصا في مجال الحريات العامة والديموقراطية المدنية، يجد نقيضا له في خطاب قادة آخرين من نفس الحزب مما ينبئ بأننا سنعيش صورا كاريكاتورية في القادم من الأيام. إن التناقض في الخطاب عند «الإسلاميين المعتدلين» يؤكد ما يوجه إليهم من انتقادات من كونهم يحملون خطابا ماضويا تجاوزه العصر، ويتناقض مع كونية القيم المعاصرة ومع السياسات الناجحة في الوقت المعاصر والتي تقوم على البرامج وليس على الشعارات الرنانة والشعبوية القصيرة الأمد. فهل سيتعافى أصحاب بنكيران من الخطاب المزدوج والدخول في العصر بقيمه الكونية القائمة على الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان والبراغماتية في تدبير الملفات الوطنية؟ أم أننا سنكون مجبرين مرة أخرى على ترديد مقولة «ليس في القنافذ أملس»؟