خلال الإثني عشر سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس تعود المغاربة على خطاب الواقعية السياسية، خطاب لا علاقة له بعالم المثل والأفكار المجردة ولكن خطابا يقرن بين القول ورؤية الفعل على أرض الواقع، لدرجة أن المغاربة تفاجأوا من سرعة إنجاز المشاريع ومن خروج الضخم منها إلى حيز الوجود وذلك في ظرف قياسي. وتهدف لغة الواقعية السياسية التي دأب الملك محمد السادس على تربية المغاربة عليها وخصوصا المسؤولين منهم، أساسا، الانتقال بالمغاربة من عقلية زمن ولى ودون رجوع، زمن كان فيه الوزراء والعمال يدشنون المشروع نفسه أكثر من مرة، وفي بعض الأحيان يدشنون مشاريع وهمية غير موجودة على الأوراق. فالملك قاد النموذج ودرب عليه المغاربة، وأراد أن يستحدث قاعدة جديدة مضمونها اقتران المشروع بالإنجاز، وكان نموذجها ميناء طنجة المتوسط والأرضية الصناعية لأولاد سيدي بورحمة ضواحي القنيطرة والمنطقة الصناعية بالدارالبيضاء والترامواي بكل من الرباط والدارالبيضاء وصولا إلى المشاريع الصغرى. غير أنه وللأسف الشديد ومع دخول المغرب مرحلة التفاوض على تأسيس الحكومة برئاسة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بدأنا نسمع لغة جديدة وخطابا جديدا لدى المسؤولين المفترضين، وبدأنا نسمع تصريحات شعبوية خطيرة من قبيل تصريح بعض المشرئبة أعناقهم للاستوزار أنهم مهددون بالقتل وأن حزب العدالة والتنمية، صاحب مصباح علاء الدين السحري، يمكن أن يتعرض للمؤامرة مثلما تعرض حزب العدالة والتنمية التركي، صاحب المصباح العصري، ناسيا أن الأتراك يعيشون في ظل نظام علماني يهيمن عليه الجيش، وأن المغرب نظام ملكي موسوم بإمارة المؤمنين وأن الملك هو الضامن للاستقرار، وهم يعرفون ذلك وقد يجهلونه لكنهم بالنتيجة يزايدون. وصاحب هذا الخطاب معروف عنه "الدخول والخروج" في الكلام فمرة قال في مهرجان انتخابي إن حزب الله وهو يقصد حزب العدالة والتنمية، قبل أن يستدرك ويقول إذا كان حزب الله يحارب الصهاينة في لبنان فإن حزب المصباح يحارب صهاينة سرقة المال العام، وهي فلتة غير طبيعية خصوصا مع الفارق الكبير بين الطرفين بين حزب يصنع المعادلات الدولية في الشرق الأوسط وحزب وجد نفسه لا يعرف الموقع حتى يحدد الموقف، وبدا جاهلا بالمعادلات الدولية ولا يعرف مصلحة المغرب وقد أظهر ذلك خروج بنكيران في قناة الجزيرة. إن الشعبوية لم تعد تنطلي على المغاربة، الذين صوتوا على حزب العدالة والتنمية لأسباب متعددة، لكن بعد فوزه أصبح مطوقا بتطبيق برنامجه الانتخابي أو الجزء الأهم منه بالنظر لطبيعة التحالف الحكومي، لكن لم يعد الوقت وقت شعارات وخطابات وكلام فارغ بل أصبح وقت إنجاز المشاريع الكبرى والصغرى. الأسلوب الشعبوي أسلوب يستهدف دغدغة العواطف، أما العمل الحكومي فيحتاج إلى التدبير العقلاني، فحينما لا تكون هناك إدارة استراتيجية وخطط تفصيلية للحكومة، تصبح المزاجية هي المتحكمة في تصرفات ومشاريع الحكومة، ويصبح المسؤول الحكومي خارجا عن السيطرة ويتحول الموقع إلى غنيمة. وللمجموعة السلفية القائدة لحزب العدالة والتنمية علاقة وطيدة بمفهوم الغنيمة. وإذا كان منظرهم يحيل على الجابري فحبذا لو أحال عليه في مفاهيم العقيدة والغنيمة والقبيلة. ألا يراها متجسدة في المجموعة التي تبنت الدعوة السلفية فغنمت المناصب والكراسي؟