العديد ممن تابعوا تفاعلات دعوة العريفي إلى زيارة المغرب، كان يتنازعهم همان أساسيان: الهم الأول وهو ألا يصادروا حق أحد من المغاربة في دعوة من يشاء من الأسماء لتنظيم ما يراه من الأنشطة العلمية والأدبية والدينية، طبقا للقانون. والهم الثاني وهو الانتباه إلى خطورة دور بعض هذه الأسماء على بلدهم المغرب، محط اهتمامهم الأول بلا منازع. فضلت بدوري أن أتخذ موقفا يدعو مستضيفي العريفي إلى تحمل مسؤوليتهم في هذه الاستضافة ولم أدع إلى منعه من الحضور، وهو بالمناسبة نفس الموقف الذي اتخذته حركة ضمير. لماذا؟ لأننا نعتبر مستضيفي العريفي، كمغاربة، معنيين بحاضر ومستقبل بلدهم، مفروض فيهم أن يتحملوا مسؤوليتهم أمام القانون المغربي والضمير الجمعي المغربي ومستقبل الأجيال بالمغرب. فهل حضور العريفي كان سينفع المغرب في شيء؟ لو تعلق الأمر بحديث ديني محض وتفسير ديني محض يدعم الإسلام الوسطي المعتدل المتسامح للمغاربة، لما انتبه للأمر أحد. لكن العريفي، وبالبرهان البيّن معروف بالعديد من المواقف والمبادرات والدعوات التي تشكل خطرا ماحقا على بلداننا، وعلى شبابنا على جميع المستويات. فهل من الحكمة أن يؤتى لنا بشخص لا يتورع عن تحريض المسلمين على بعضهم عن طريق صراخه في المؤمنين بدينهم والمتأثرين بغلوائه هو، دعما للدواعش في سوريا: "أموالنا وسلاحنا معكم… والله سيكون قريبا معكم (كأنما وصله الخبر توا…) وأرواحنا معكم وأيدينا ستقاتل في صفوفكم. أنتم المقدمة ونحن بإذن الله تعالى معكم…" هل من الحكمة في عالم اليوم أن يفتى بهدم الكنائس والصلبان وإذكاء النعرات الطائفية عن طريق التهجم على الشيعة؟ هل نعتبر من يوضح طرق السحل والسحق والذبح مجرد مفسر للقرآن؟ وهل من الحكمة أن يستضاف من يفتي بتفادي اختلاء الأب بابنته "درءا للفساد"، كأن كل انسان بهيمة لا يلهيه عن طلب الوطء والجماع والمفاخذة وازع حتى لو كان الأمر يتعلق ببناته؟ هل من الحكمة أن يستضيف المغرب من يجهد نفسه في تأكيد صحة التداوي بالبول؟ وهل من الحكمة أن يستضاف من ينصح الهائمين حبا ببعضهم أن يلجموا عواطفهم عن طريق تذكر اشتغال حبيبهم بالتغوط والتبول واستقبال دم الحيض؟ هل نرضى لنا ولنسائنا أن نقبل بيننا من يدعي تفقيهنا في ديننا فيمنع سياقة النساء للسيارات بمبرر أن حوضهن يهتز عند السياقة فيوقظ شبقهن؟ هل نحتاج إلى من ينبهنا إلى أهمية اعتماد إرضاع الكبير – يا لسخافة الفكر… – كحل لمعضلات الشغل والتنمية والبناء الديمقراطي؟ هل نحن في حاجة إلى من يَتفَيْقهُ على السامعين محتقرا ذكاءهم، ومغلقا عينيه على ما يقع في العالم، ومدعيا أن نصف شهادة المرأة – يا سبحان الخالق ! – سببه غدة في رأسها لم يعد يذكر اسمها؟ هل من الحكمة أن يوضع في مصاف العلماء ويُستضاف ويُستمع إلى من يعتبر نفث رذاذه (أي بُصاقه: تفْ تفْ تفْ، هكذا حسب قوله و"بيداغوجيته"…) مع تلاوة آيات قرآنية، تشفي العليل؟ هل يُراد لنا أن نستمع إلى هذا الخطاب التحريضي المتخلف الأخرق ونصدق أن الأمر مجرد تفسير للقرآن؟ وفي المحصّلة العامة، هل هذه هي القراءة السليمة لتفعيل مقتضيات الدستور المغربي بما فيها الاسلام السمح المعتدل والاختيار الديمقراطي؟ والأدهى والأنكى والأخطر أننا نعلم جميعا ما للسادة المستضيفين للعريفي من علاقة بالحزب الذي يرأس الحكومة المغربية اليوم، أي حزب العدالة والتنمية… وإنه لمن حقنا أن نتساءل والحالة هذه، أي رسالة يجب أن نقرأها في هذه الاستضافة الملغاة، هل هو المرور إلى مرحلة أخرى في تأجيج التوترات على أساس الكراهية والإقصاء؟ وهل كافح الديمقراطيون على مدار عقود لكي تستعمل المكاسب التي حققها المغاربة هذا الاستعمال المهدد للسلم المدني؟ وبالفعل يا سادة. لا تستغربوا. هذا العريفي، بالبراهين الواردة أعلاه وأسفله، داعية ٌ للحقد والكراهية والعنف والتخلف باسم الإسلام، المقدس المشترك بين الأغلبية الساحقة للمغاربة، وبين المسلمين قاطبة. وأنا لم أقل ذلك إلا بعد أن أمضيت يوما كاملا أستمع إلى تسجيلاته على اليوتوب. وبالمناسبة فأنا أشكر "الكفار" الذين أبدعوا اليوتوب. هذا اللص الظريف الذي يستعمله "مؤمنونا" لتمرير كراهيتهم للحياة، فيفضحهم بلا رحمة. كثير من هؤلاء الذين تهزهم الحمية فجأة فيرعدون ويزبدون، ينسون وهم في حمأة الصراخ أن العالم اليوم مرآة مترامية الأطراف لمن يحسن النظر والإنصات. "المشايخ" المزعومون يتلقون تعويضاتهم بمئات الآلاف بل ملايين الدولارات (ملايير السنتيمات). هل نعيد إلى الأذهان عائدات السادة عمرو خالد ويوسف القرضاوي وطارق السويدان وعائض القرني وعمر عبد الكافي والآخرين؟ هل نقول كيف أن بعضهم يدعو إلى "الجهاد" في سوريا والعراق وليبيا وتونس واليمن ويستثني إسرائيل، وهو قاعد على مرمى حجر من أكبر القواعد الأمريكية على مشارف الدوحة؟ السيد العريفي. لسنا في حاجة إلى نفاق من نوع "أنا أحيي المغاربة حتى من رفضوا قدومي". خلاصة القول، لنا جميعا أقول: حذار، فالإرهاب قبل أن يكون حزاما ناسفا أو خنجرا مسلولا، هو غسل للأدمغة وإخضاع للعقول والأفئدة. وبعد، رحم الله الإمام الشافعي الذي خلد لنا المقولة التي تلخص الأمر في جملتين: "خير للمرء أن يسترزق بالرقص على أن يسترزق بالدين"…