هم في المسمى الإيجابي "جاليتنا في الخارج". وهم في المسمى السلبي "فاكانس" أو "الزماكرية" أو ماشئت من الأوصاف، وهم في الحقيقة ودون إطالة أو اختزال معيبين : مغاربة ضاق بهم سقف الوطن، فهربوا إلى أصقاع أخرى بحثا عن لقمة العيش، لكنهم لم ينزعوا الوطن من قلوبهم احتفظوا به في المكان الأول من الذات: في الصدر جهة اليسار. وحين يتعبون، حين تضل بهم المسافات، حين يشعر كبار السن فيهم بقرب أوان الوداع، يقولون بما تبقى من كلام ولغة "البلاد" للصغار "إذهبوا بنا إلى هناك، حيث الجذور، واتركونا مع أريج الماضي وعبق التاريخ، عودوا بنا إلى المغرب وادفنونا هناك". لعله التعبير الأجمل والأبلغ والأكثر بهاءا عن الحب والوله والعشق وبقية مرادفات الغرام التي تجمع إنسانا بأرضه: أن يفعل المستحيل لكي يهاجر منها من أجل لقمة العيش، لكنه وحين الرغبة في الراحة الأبدية، الأخيرة، تلك التي لا راحة بعدها يقول لكل من يريد سماعه "عودوا بي إلى هناك". في كل أسرة مغربية يوجدون، لذلك هم أهلنا، وهم نحن لكن في كل مكان من العالم، ومنذ السنوات البعيدة ونحن نقول إنهم الأكثر عذابا فينا. فلا الآخر الأجنبي هناك يقبلهم، ويعطيهم صك الإدماج معه، ولا الآخر المحلي هنا يريد أن يقتنع أنهم جزء منه لا يمكن اقتلاعه مهما كان، لذلك صرخناها على الدوام: القليل من الرأفة بهؤلاء الموزعين بين الهنا والهناك لا يعرفون إلى أي ضفة ينتسبون. بقي الكلام حبرا على ورق وكان ضروريا مرة أخرى انتظار خطاب ملكي سام يتحدث اللغة الصريحة الواضحة مع السفراء والقناصل، ويقول لهم إن أولى مهامهم هي أن يخدموا مغاربة العالم أينما كانوا لكي يشرع هذا الملف في الحركة من جديد، وربما هاته المرة بشكل جدي بعد أن وصلت الأشياء حدودا لاتطاق. لحسن الحظ نكاد نقول أنهم كانوا دائما وفي كل الرحلات يجدون الأذن الصاغية لدى جلالة الملك، وكانوا ينقلون الصورة مثلما هي دون رتوشات خادعة، ودون كذب ديبلوماسي "هذا ما نحياه ونعيشه يا جلالة الملك على أيدي بعض القناصل". والآن ومع كل الحديث الدائر عنهم يأملون مرة أخرى وأخيرة أن يبادلهم هذا الوطن حبا بحب، وأن يعتبرهم المغرب أبناءه مائة بالمائة، لا أبناء نتذكرهم في الصيف وننساهم بقية العام. في حديث مع مسؤول في جمعية بالضاحية الباريسية يوما قال لي بكل أسى "العنصرية لا يمارسها علينا الفرنسيون الأصليون فقط، هي تمارس علينا من مغاربة يأتون من المغرب ويصرون على أن يقولوا للجميع إنهم ليسوا مثل (الزماكرية)". أعطاني مثالا لطالبة في كلية الطب قالت لقنصل مغربي "رجاء لا تخلطنا بأولئك المهاجرين القاطنين هنا، نحن أتينا لكي ندرس وسنعود إلى بلادنا". "يومها -قال لي ذلك المسؤول- أحسست أن هاته الطبيبة قاتلة ضلت طريقها إلى الطب لأن قلبها العنصري لن يعرف رحمة أبدا". لعلها مجرد نموذج لأشياء أخرى فظيعة نرتكبها جميعا في حق هؤلاء علينا أن نتوقف عنها، فليس القناصل وحدهم من يجب أن يغيروا سلوكهم تجاه مغاربة العالم، وليس القناصل وحدهم من يجب أن يتوقفوا عن اعتبار هؤلاء المغاربة مجرد ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق المختار لغزيوي