كل إنسان رأيه محترم، والإنسان النزيه هو الذي يعتبر نفسه على حق دائما بل يكون مستعدا لتغيير رأيه مقابل لغة المنطق، والدليل الأقوى، وللحوار مع الآخرين وسماع رأيهم يقتضي وجود آخر نتحاور معه. فالحوار عملية فكرية تعتمد التساؤل والمساءلة ولهذا من واجب الإنسان أن يعتنق أي فكر أو رأي، ومن حقه أن يتحمس له ويدعو إليه. ولكن من الواجب عليه أن يحترم الغير من فكر أو رأي لأن له معتنقوه الذين يعجبون به، ويتحمسون له، ويدعون إليه بنفس القدر ونفس القوة. يستطيع أي شخص أن يشطب من قلبه ومن فكره الإيمان بالغير فذلك حقه، ولكن ليس من حقه ولا في استطاعته أن يشطب من الواقع وجود قلوبهم وعقولهم بالإيمان. فمن شاء فليكفر ومن شاء فليؤمن. فالفكر بطبيعته ليس واحدا ولا موحدا ولا يمكن الحديث عنه بالمفرد فهو جملة من الأفكار، فخامته تكون بتعدده وفي تنوعه وليس هناك فكر كامل ومكتمل يقول الحقيقة مرة واحدة وإلى الأبد. إن لب الحوار هو أن أخلق فضاء بيني وبين الآخر. لا يمكن أن أسقط عليه اهتماماتي وأفرض عليه أدبياتي ومرجعياتي، لا يجب أن يكون هو أنا ولا أنا هو، لأن له وجهة نظره التي ينبغي أن تحترم وتفهم لأنها بالذات شرط الحوار المحرض عليه. وفي ثقافتنا الإسلامية الإمام أبو حنيفة، سأله تلميذ يوما، هل ما ذكرت هو الصواب الذي لا يقبل الخطأ؟ فكان رده الذكي: والله لا أدري لعله الخطأ الذي لا يقبل الصواب. ومن نافلة القول أن نؤكد أن نفهم الآخر وتفهمه يتطلب بالدرجة الأولى فهم ذواتنا، مسألة الذات أولا مدخل ضروري ولائق لمساءلة الآخر هناك فئة لا تأتي بأسلوب الحوار وإنما بسلطة الخطاب، وفي بنياتها الإقصاء ولسان حالها يقول من واجبي أن أتكلم. ومن واجبك أن تسمع، ومن حقي أن أقول ومن واجبك أن تتبعني وتطأطئ رأسك، ورأيي صواب لا يحتمل الخطأ..ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب. الفكر الكامل، والجاهز هو الفكر المتجمد الذي يعيش خارج التاريخ وخارج المجتمع كالفكر الذي لا يؤمن بحق الاختلاف ولا بضرورة الحوار. إما اختلاف، وحوار. وإما استبداد وقهر. إما تمدن وإما تخلف ..فعلى الأقل نتعلم كيف نختلف لذا انهارت الأنظمة التوتاليتارية الكبرى، والتي كانت تؤمن بالصوت الواحد والحزب الواحد والرأي الواحد. ولهذا لابد من ثقافة الإنصات والتسامح والاختلاف والتعدد، إن الفكر الذي يلجأ إلى تكميم الأفواه إنما هو فكر لا يعبر بشجاعة الرأي وإنما هو فكر معوق وجبان.