«مرحبا بك في غوانتانامو» ... عبارة حفرت بكل قوة في أعماق ذاته ... بكل أسى يجتر ذكريات الماضي القريب ... الذي تجرع فيه غصة الاغتصاب ومرارة الاختطاف ... محمد شاب عاش تجربة اختطاف هوليودية لمدة 16 يوما، بسبب شقيقه الذي غدر ببارون المخدرات واستفرد بشحنة مخدرات لحسابه الخاص ! «مرحبا بك في غوانتانامو» ! غابت الشمس عن باب تازة، فصعب عليه التوجه ليلا لمنزل والدته، وفضل التوجه للمبيت بباب تازة عند قريب له. وفيما كان يسير في الطريق وحيدا، توقفت بشكل غريب سيارة، نزل منها شخصان، تعمد أحدهما أن يحييه ويعانقه كأنه يعرفه مسبقا، حتى لا يلفتوا انتباه المارة. فجأة وضعوه بالسيارة عنوة وانطلقوا لوجهة مجهولة. بعد حوالي نصف ساعة، وصلوا إلى منزل في منطقة معزولة وأمروه بإزالة ملابسه كلها في عز البرد، أخذوا هاتفه النقال وطلبوا منه الاتصال بشقيقه. أمروه أن يخبره أنه قد اختطف من طرف مافيا، ولإطلاق سراحه ينبغي عليه دفع مبلغ 80 مليون سنتيم. “كرموه” اعتقد «محمد» أن الحاج بارون المخدرات ومدبر عملية الاختطاف قد رق لحاله، غير أن كرم «الحاج» كان ذا طابع خاص، فبعد مغادرته المكان مباشرة، جاء الجلادون وقالوا له بالحرف “مرحبا بك في غوانتانامو”، وعرضوا جسده لمختلف أنواع العذاب. البداية كانت بإجلاسه على قارورة فارغة، اعتقد في البداية أنهم يهددونه فقط، لكنه لم يتيقن من حقيقة نواياهم الا وهي تلج دبره وهم يضحكون بكل وقاحة. توالت حصص الرعب عليه بعد ذلك، أحضروا هاتفه النقال مجددا، وطلبوا منه مهاتفة شقيقه وإخباره أن مبلغ الفدية قد أصبح 170 مليون سنتيم. حلت ليلة رأس السنة ببردها ومطرها، فجاء الخاطفون الأربعة للسرداب حيث كان محتجزا، كانوا في حالة سكر لا يعرفون ما يفعلونه. وصلوا إلى هناك وهم يغنون، قبل أن يبدؤوا باغتصابه واحدا بعد الأخر، دون أن يحن قلب أي منهم عليه، رغم مناشدته لهم ورغم توسلاته... لم يستحمل الشاب ما يحدث معه فبدأ يتقيأ دم من هول ما أصابه، والدماء تنزف منه، والجوع يقطع أوصاله دون أن يقوم الخاطفون بإطعامه، ما عدا القليل من الخبز كان يصله بين الفينة والأخرى للاستمرار في الحياة، رغبة منهم في استعماله كورقة ضغط. لكنه كان يعرف مصيره مسبقا أنه كان يعرف أنه لن يخرج حيا من هناك، خاصة وأنه شاهد كل الوجوه، بما فيها وجه «الحاج». بعد 12 يوم بدؤوا يفقدون الأمل في رضوخ الشقيق الآخر لمطالبهم، حينذاك فكروا في خطة أخرى، وهي جلب الأم بدورها لهذا الجحيم. فكرة جاء بها أحد أفراد العصابة الملقب ب «العموم»، والذي بحث في هاتف «محمد» عن رقم والدته، كما حاول الوصول لمكان إقامتها لكنه فشل في ذلك. كان الشقيق الآخر قد أخبر أكبر الإخوة بما حدث، فاختفى بدوره وأخفى الأم، وأخبر الدرك بما حدث لشقيقه. لكن أحدا لم يتمكن في البداية من تحديد المكان بالضبط، رغم إخبارهم بهوية الخاطفين. استمرت تحريات وتحقيقات الدرك لتحديد مكان احتجاز «محمد»، وفيما كان عناصر الدرك يسابقون الزمن، تلقى «الحاج» مكالمة هاتفية من جهة مجهولة أخبرته بما يحاك. مكالمة مجهولة ! قام شقيق المختطف بترتيب كمين برفقة مسؤولين بالدرك، حيث أكد للعصابة، أنه سيسلمهم 100 مليون سنتيم، إلا أن المكالمة التي يبدو أنها كانت من مصدر جد مقرب من الدرك، أحبطت العملية. اقتادت العصابة المختطف في اتجاه كوخ بالغابة المجاورة، وهناك كسر أحدهم هاتفه الخلوي، وهو يقول «هذا هو اللي كانوا كيتبعو، هاهو مهرس دابا».. كان أفراد العصابة خلال ذلك يتصلون بالحاج المفضل، للتنسيق حول ما يمكن فعله، خاصة وأن «المخزن» كان على وشك الوصول، فأرسلوا سيارات شحن (فاركونيت 207)، قامت بجمع ما كان بالفيلا من مخدرات، وأسلحة نارية كانت بحوزتهم، لكن الدرك تمكن خلال المداهمة، من توقيف إحداها وحجز كمية من المخدرات، والأسلحة النارية وأكثر من 120 رصاصة. بدأ الخاطفون يعطفون على محمد بعض الشيء، مكنوه من الأكل والشراب، واقترحوا عليه في حال إطلاق سراحه، أن ينساهم وألا يقوم بمتابعتهم نهائيا. «الحاج يعطيك 60 مليون، ومتعاودش تظهر قدامنا»، على أساس أن يدعي أن مختطفيه من مدينة أخرى، ولا يعرف أحدا منهم. كان محمد يستمع فقط لما يقال، ويهز رأسه موافقا، وهو يتمنى لو يطلق سراحه فقط. بعد وقت قصير من ذلك تم تعصيب عينيه وتحركت سيارة (رونو 18) في اتجاه ضواحي قريته، ألقي به غير بعيد عن منزله، وهو منهك القوى تماما، قضى أكثر من ساعتين راجلا، ليصل البراكة التي تقطن بها والدته هناك، حيث سقط مغمى عليه لا يستطيع الحراك نهائيا قبل أن يخبر شقيقه رجال الدرك، الذين حلوا وعاينوا حالة «محمد»، الذي نقل للمستشفى وخضع لعلاجات عضوية وأخرى نفسية لتجاوز أزمته، فيما استمرت التحريات من طرف الدرك، الذي تمكن من الاهتداء للفيلا المعنية، والسرداب حيث كان مختطفا. مصطفى العباسي