في أوج أزمة العلاقات المغربية الفرنسية السنة الماضية، أوردت «جون أفريك » الفرنسية نقلا عن مصادرها في محيط قصر الإليزيه أن الملك محمد السادس رفض الرد على اتصالات هاتفية من الرئيس فرانسوا هولاند، غير أن الرباط لم تشأ تسريب الخبر، لكنها المرة الأولى التي يعلن فيها المغرب رسميا عبر بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون أن العاهل المغربي يرفض الرد على مكالمة هاتفية من رئيس دولة أجنبية، إنه الرئيس النيجيري غودلاك جوناتان الذي سعى الجمعة الماضية إلى إجراء محادثة هاتفية مع ملك المغرب. في تفاصيل الواقعة، يفيد بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، بأنه على إثر طلب تقدمت به السلطات النيجيرية لإجراء اتصال هاتفي بين الملك محمد السادس ورئيس نيجيريا وإيفاد مبعوث عنه إلى الرباط «رأى جلالة الملك أنه ليس مناسبا الاستجابة لهذا الطلب، بالنظر لارتباط هذا المسعى باستحقاقات انتخابية هامة بهذا البلد». في تفسير أسباب الموقف الملكي، يورد بلاغ الخارجية، فضلا عن الأبعاد الانتخابية للمبادرة النيجيرية أن الاستجابة لطلب الرئيس غودلاك جوناتان، والذي لم يذكره البلاغ بالاسم، «قد يحمل على الاعتقاد بوجود تقارب بين المغرب ونيجيريا وبسبب مواقف هذا البلد إزاء القضايا الوطنية والعربية الإسلامية المقدسة. كما أن هذا المسعى من لدن سلطات نيجيريا، يبدو أن له علاقة باستمالة الناخبين المسلمين بهذا البلد، أكثر من كونه مبادرة دبلوماسية عادية». في السياق الزمني للأحداث ثمة ما يشرح حيثيات الموقف الملكي، ففي الرابع عشر من شهر فبراير الماضي، كان مرتقبا أن تشهد نيجيريا تنظيم انتخاباتها الرئاسية قبل تأجيلها إلى يوم 28 مارس الجاري ، ويعتقد المراقبون للشأن السياسي النيجيري أنه «من المتوقع أن يكون السباق الرئاسي القادم هو الأكثر تنافسية منذ انتهاء الحكم العسكري في البلاد في 1999. الرئيس جوناثان، الشخصية الجنوبية التي تنتمي للأقلية المسيحية، أعلن ترشحه باسم «حزب الشعب الديمقراطي» الحاكم. لكن جوناتان، الذي وصل إلى السلطة في البلاد سنة 2009 بشكل عرضي، بعد وفاة الرئيس المسلم عمر يارادوا، يواجه منافسة قوية من ائتلاف المعارضة المسلمة الذي رشح الجنرال محمد بوهاري وهو مسلم من شمال نيجيريا التي يمثل فيها المسلمون 85 مليون نسمة من إجمالي 154 مليون هم عدد السكان. وما يزيد من متاعب جوناتان، الذي يتوقع البعض مع ذلك فوزه بالاقتراع الرئاسي. انشقاق أمين تامبوال رئيس مجلس النواب النيجيري ورابع أقوى شخصية في البلاد عن الحزب الحاكم وانضمامه إلى الائتلاف الرئيسي للمعارضة. وقال أمين حينها، وهو أرستقراطي من خلافة سوكوتو التي تمثل أعلى سلطة إسلامية في نجيريا، إنه يشعر «بعدم الرضا منذ وقت طويل عن سياسات حزب الشعب الديمقراطي الحاكم بقيادة رئيس البلاد غودلاك جوناثان». فمعطيات السياق إذن، سواء في توقيت الانتخابات الرئاسية، أو الحجم الذي يمثله المسلمون وسط الكتلة الناخبة، أو ما يتعلق بوجود شخصيات مسلمة في سباق الرئاسة مع غودلاك جوناتان، تشكل مجتمعة خلفية الحيثيات التي ساقتها وزارة الخارجية لتبرير القرار الملكي رفض إجراء المحادثة الهاتفية مع المرشح الرئاسي جوناتان الذي يبدو أنه انتبه للشعبية التي يحظى بها الملك محمد السادس بصفته أميرا وسط مسلمي إفريقيا، فسعى إلى توظيفها ديبلوماسيا في استقطاب أصوات الناخبين المسلمين المفترض تصويتهم لمنافسيه من المسلمين، وهو ما جعل الملك محمد السادس ينأى بإمارة المؤمنين عن الصراع الانتخابي في بلد يدعم المواقف الانفصالية للبوليساريو في الأممالمتحدة وأروقة الاتحاد الإفريقي، وتوجه المنظمات الحقوقية الدولية إلى رؤسائه ذوي الانتماء المسيحي اتهامات بإبادة المسلمين، كما جاء في أحد التقارير التي أفادت أنه « أثناء انتخابات الرئاسة في أبريل 2011 والتي ترشح فيها وفاز بها الرئيس الحالي «غودلاك جوناثان» قامت ميليشيات مسيحية مسلحة بقتل المئات من المسلمين في ولاية كادونا بشمال نيجيريا، وحرقوا بيوت وسيارات ومحلات المسلمين». وفيما تتابع العواصم العالمية عن كثب مسار الانتخابات في أكبر اقتصاد في إفريقيا معبرة عن قلقها من تكرار العنف الذي أعقب انتخابات 2011 عندما لقي 800 شخص حتفهم، دعا المرشح المعارض محمد بوهاري أنصاره إلى الهدوء قائلا في إحدى خطبه «أي عمل من أعمال العنف لن يؤدي إلا لتعقيد التحديات الأمنية في البلاد ويعطي المزيد من المبررات للأشخاص الذين يريدون استغلال كل موقف لتقويض العملية الديمقراطية» في إشارة إلى منافسه الرئيس غودلاك جوناتان.