ثمانية أحزاب تعلن عن تشكيل قطب سياسي يحمل إسم «التحالف من أجل الديمقراطية»، وفي نفس الوقت تعود الروح إلى تحالف الكتلة الديمقراطية بعد مرحلة من الجمود دامت حوالي أربع سنوات، وبين هذا وذاك، يرتفع منسوب النقاش حول التحالف مع حزب العدالة والتنمية ممن كانوا خصومه السياسيين والإيديولوجيين. إنه «ربيع التحالفات» في الزمن السياسي لما بعد إقرار الدستور الجديد. تختلف ردود أفعال السياسيين تجاه هذه الدينامية التي يحدثها قرب موعد الانتخابات، يشكك البعض في النوابا ، ويتساءل آخرون عن «الغرابة» التي تطبع بعضا من هذه التقاربات، ومهما يكن من أمر، يبدو واضحا أننا إزاء معطى إيجابي في الحياة الحزبية يجعل التحالفات تتوضح قبل الانتخابات، وتدفع في اتجاه تشكيل أقطاب سياسية تسهم، ولو نظريا، في إعادة تجميع الشتات الحزبي، أما الأسئلة المشروعة حول الانسجام السياسي والإيديولوجي بين أطراف هذه الدينامية، فتبدو سابقة لأوانها، مادمنا في مرحلة إعلان النوايا، ولم نصل بعد مرحلة وضع البرامج. لقاءات الخميس تفتح الكتلة على العدالة والتنمية الانتخابات التشريعية ترفع من وتيرة التنسيق بين مكونات الكتلة الديموقراطية في الآونة الأخيرة، عبد الواحد الراضي الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ونبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ينتقلان كل يوم خميس إلى بيت رفيقهم عباس الفاسي لمواصلة التنسيق، في ما أعضاء لجنة التتبع الموكول إليها إعداد أرضية مشتركة يلتقون أسبوعيا بمقر حزب التقدم والاشتراكية بالرباط، لإثراء هذه الأرضية بمقترحات جديدة في انتظار عرضها قريباعلى أنظار القيادات قصد الموافقة. دماء جديدة بدأت تسري في عروق الكتلة، بعدما أصابها التصلب منذ انتخابات 2007، بفعل التوتر الكبير الذي عرفته العلاقة بين قطبيها (الاتحاد الاشتراكي والاستقلال)، في محطات متعددة، ابتدأت باعتماد برلمانيي الاتحاد لما سمي بالمساندة النقدية للحكومة. ثم ليبلغ التوتر أوجه بعد الصراع الذي اندلع بين الحزبين على خلفية تصريحات حميد شباط،عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، التي اتهم فيها القيادي الاتحادي المهدي بنبركة بقتل الوطنيين، فضلا عن التصريحات التي صدرت عن عدد من المؤتمرين الاتحاديين في المؤتمر الثامن، التي وصفت حزب الاستقلال بأنه أكبر عدو للاتحاد الاشتراكي جذوة التوتر هذه، سرعان ما بدأت تخبو إلى أن زالت مع اقتراب موعد الانتخابات، بترك القيادات الخلافات جانبا، ووضع التنسيق الاستراتيجي على الطاولة، بعد إجماعهم على أن الكتلة لاتزال لم تستنفد كل المهام التي نص عليها ميثاق 2007، فمصطفى عديشان عضو الديوان السياسي لحزب الكتاب، يقتسم مع باقي رفاقه نفس الفكرة، إلا أنه في الظرفية السياسية الحالية ، يرى أن «الكتلة ملزمة بأن تنتقل بالاشتغال من المستوى الفوقي إلى العمل القاعدي، للمساهمة في تطوير الكتلة كتكتل لأحزاب تاريخية». العمل على ضخ دماء جديدة في شرايين الكتلة، أضاف على كاهل أعضاء لجنة التتبع أعباء كبيرة، فقد باتوا مطالبين بالاجتهاد أكثر في البحث عن صيغ جديدة للتنسيق أثناء تحضيرهم للأرضية المشتركة، وذلك بعدما قطعوا خطوات متقدمة في التنسيق باتفاقهم على تقديم مقترحات مشتركة بخصوص ما تبقى من القوانين الانتخابية، القيام بحملة مشتركة لحث الناس على التسجيل في اللوائح الانتخابية وتشجيعهم على التصويت، تنظيم تظاهرات وأيام دراسية مشتركة في بعض الجهات والأقاليم، إضافة إلى تقديم ترشيحات مشتركة رمزية في بعض الجماعات. لكن وتيرة التنسيق الجارية حاليا ستنخفض سرعتها، بعدما أخذ تحالف ثمانية أحزاب الذي رأي النور في بحر الأسبوع الماضي، جزء من وقت زعماء الكتلة أثناء اجتماعهم يوم الخميس المنصرم، والذين توقفوا عنده بعد طرحه على طاولة النقاش ومقاربته وفقا لمنطق التحالفات. وإذا كانت قيادات الأحزاب الثلاثة، قد فضلت عدم الرد على التحالف الجديد، وإن كانت لاتنظر إليه بعين الرضى، فإنها جعلت من إمكانية مد اليد إلى حزب العدالة والتنمية أمرا محتملا، وخصوصا، مابعد الانتخابات، إلا أنها قبل الاستحقاقات تراهن على حظوط المكونات الثلاث في حصد نتائج مهمة من خلال توسيع دائرة التنسيق. اليسار الديمقراطي: تحالف يمزقه الموقف من الانتخابات «يدعو إلى مقاطعة الاستفتاء المقرر إجراؤه يوم فاتح يوليوز من سنة 2011». خلاصة خرجت بها اللجنة الوطنية لتحالف اليسار الديمقراطي، في بلاغ دبجته يوم 19 من شهر يونيو لهذه السنة، بعد اجتماع عقدته لتحديد موقفها من الدستور الجديد، فيما اعتبر المتتبعون ذلك خطوة ستتلوها أخرى، تسير في اتجاه مقاطعة التحالف المكون من الحزب الاشتراكي الموحد، الطليعة الدمقراطي الاشتراكي، المؤتمر الوطني الاتحادي، لكل الاستحقاقات المترتبة عن هذا الدستور الجديد.لكنه استنتاج سرعان ما سيخيب بعد ذلك، حيث اتخذ كل من الاشتراكي الموحد والطليعية قرار مقاطعة التشريعيات القادمة، فيما قرر المؤتمر الوطني الاتحادي المشاركة في اقتراع 25 من نونبر القادم. فهل ستؤدي خطوة المؤتمر الوطني الاتحادي إلى بعثرة أوراق هذا التحالف، الذي استطاع إلى وقت قريب، قطع أشواط بعيدة على درب من التنسيق، وصلت إلى حد التقدم بلائحة واحدة خلال الاستحقاقات التشريعية السابقة؟ سؤال تردد على لسان أكثر من متتبع، استقبل بذهول خبر قرار رفاق الأموي المشاركة في الانتخابات، «لحد وصف القرار بغير المنطقي والمتناقض» كما خلص لذلك مناضل بأحد أحزاب التحالف، مشيرا إلى أن خطوة الحزب استقبلت باستهجان كبير من طرف قواعد التحالف بما في ذلك مناضلو المؤتمر الوطني الاتحادي نفسه.. «موقف سيكون له ما بعده» بالنسبة لمستقبل التحالف، يؤكد المصدر، ملقيا باللوم على قيادة المؤتمر الوطني الاتحادي واصفا خطوته بالخروج عن مواقف التحالف، الذي كان من السباقين للانخراط في الحراك السياسي الذي يشهده المغرب حاليا حيث فتح مقراته لحركة «20 فبراير» وتماهى مع شعار الملكية البرلمانية، يضيف هذا المصدر قبل أن يتساءل «لماذا قاطع المؤتمر الاتحادي الدستور إذا كان سيقرر المشاركة في الانتخابات؟ طرح اختلف معه جملة وتفصيلا محمد مجاهد الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، الذي اعتبر التحالف أكبر من يؤثر فيه مثل هذا «الاختلاف الظرفي»، موضحا في بداية اتصال هاتفي مع «الأحداث المغربية» أن ليس هناك مسطرة قانونية داخلية تمنع على أي حزب من التحالف من اتخاذ مواقف يراها مناسبة له. «لكن عدا ذلك»، يضيف مجاهد فإن التحالف بصحة جيدة وهو في تنسيق متواصل بين مكوناته، لأنه يجمعها «مشروع مجتمعي واحد» يقوم على الملكية البرلمانية والتوزيع العادل للثروات. فحتى داخل الحزب الاشتراكي الموحد، الطليعة، كان هناك مناضلون مؤيدون للمشاركة في الانتخابات القادمة، كما أن من بين مناضلي المؤتمر الوطني الاتحادي، من هم معارضون للمشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة، يقول مجاهد في محاولة للتقليل من شأن خطوة رفاق الأموي. العمل المشترك مستمر بيننا» يؤكد مجاهد، مشيرا إلى أن المشاورات مستمرة، حيث من المنتظر أن يعقد التحالف اجتماعا عما قريب لتنسيق المواقف، وتحليل الوضع السياسي، في الوقت الذي وضع التجمع لنفسه هدفا بعيد المدى يتمثل في الارتقاء به إلى مستوى أكثر من التحالف، يؤكد الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، في إشارة إلى أن الأحزاب بصدد البحث في صيغ تحويل التحالف إلى «فيدرالية» من أجل إحداث اندماج أقوى بين الأحزاب الثلاثة. تحالف من أجل الديمقراطية «يترك بابه مفتوحا ..» لا أحد يمكنه إنكار عنصر المفاجأة على الخطوة التي أقدم عليها زعماء التحالف الرباعي الليبرالي بحر الأسبوع الماضي، تماما كما اعتاد أن يفعل روساء الدول الثمانية الصناعية الكبرى، صورة لثمانية زعماء بأحد الفنادق الراقية بالعاصمة، الزمان والمكان زادا من وقع توسعة تحالف على بعد أقل من شهرين من الانتخابات التشريعية، رابطة حزبية تضم ثمانية أحزاب لأول مرة في تاريخ المغرب السياسي. المفاجأة، التي فجرها صلاح الدين مزوار رئيس التجمع الوطني للأحرار، يوم الأربعاء الماضي وهو يعلن بكثير من الحرفية في التسويق السياسي عن ميلاد« التحالف من أجل الديمقراطية»، يتكون من التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري والأصالة والمعاصرة، الحزب العمالي المغربي، الحزب الاشتراكي، اليسار الأخضر، وحزب النهضة و الفضيلة، يبدو أنها لن تقف عند هذا الحد . الحصيلة مرشحة للارتفاع، إذ «سيبقى التحالف مفتوحا أمام فاعلين آخرين بهدف بناء تحالف وطني واسع يضم القوى المتبنية والمناصرة للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي» يقول مزوار مؤكدا أمام الصحافيين الذين حضروا المناسبة بأن مشروعه «المفتوح على آفاق التجديد والتغيير، دون جحود بالمكتسبات، أو إنكار للنواقص، ودون تفريط في الأسس والثوابت الوطنية، يطمح إلى خلق تيار مجتمعي حامل لقيم هذا المشروع». رسائل البيان رقم واحد للتحالف الثماني لم تكن كلها إنذارات حرب انتخابية، ستطول الهدنة إلى بعد 25 من نونبر المقبل موعد الانتخابات التشرعية، إشارة بعث بها التحالف الجديد إلى الأغلبية الحكومية عندما قال بالمناسبة «لا ننوي التخلي عن تحالفنا الحالي مع حزب الاستقلال، الحاكم، وخاصة أن الأحزاب الثمانية تسيرعلى نفس رؤيتنا السياسية والاجتماعية، فضلاً عن أن مسؤوليتنا الحزبية تفرض علينا الاستمرار في الحكومة إلى آخر دقيقة في عمر الأغلبية. التحالف استبق مواقف الذين قالوا بأن هذا التنسيق الكبير إنما يهدف إلى تشكيل جبهة قوية في وجه العدالة والتنمية، ليبعث برسالة تطمين أخرى نفى من خلالها صلاح الدين مزوار أن يكون «التحالف من أجل الديمقراطية» موجها ضد أي «حزب آخر»، في إشارة صريحة منه إلى إخوان عبد الإله بنكيران. لكن الظاهر على الأحزاب الثمانية، أنها ستجد صعوبة في إخفاء طموحها للوصول بالتحالف إلى الحكومة، منذ الأن بدأت تصرحات بعض زعمائها تعتبر أن رابطتهم قابلة لأن تكون نواة الحكومة المقبلة في حال فوز أحد أعضائها بأكبر عدد من المقاعد، خلال الانتخابات البرلمانية المرتقبة، مشددين على أنهم سينسقون فيما بينهم، قبل وأثناء وبعد العملية الانتخابية. على أن هناك من المتتبعين، من يقلل من أهمية الخطوة، بل حتى من ينكر عليها صفة التحالف، وذلك على اعتبار أنه لايوجد مايجمع بين مكوناته التي اتسعت لتشمل اليمين واليسار والإسلاميين ، « تحالف لا يعدو أن يكون مجموعة أحزاب تسعى للبحث عن موقع في الحياة السياسية» على حد وصف مصطفى الرميد القيادي بالعدالة و التنمية .