مازال المجتمع المغربي ينظر إلى المريض النفسي نظرة سلبية، تجعل منه شخصا غير مرغوب فيه داخل المجتمع باعتباره مصدر إزعاج وخطر يهدد كل المحيطين به. لذلك يتم التوجه إلى إقصائه وتهميشه رفقة أسرته التي تعاني على مستويين... الأول يتعلق بمسؤولية ابنها المريض ومساندته لتخطي مرضه، ثم نظرة الأسر المحيطة بها وطريقة تعاملها التي تتغير للأسوأ. في الحوار التالي يقدم أستاذ علم النفس الاجتماعي توضيحا عن نظرة المجتمع وانعكاسات هذه النظرة على المريض النفسي. كيف ينظر المغاربة للمرضى النفسيين؟ نظرة المغاربة للمرض النفسي تبقى بصفة عامة نظرة سلبية، تحاصرها مجموعة من التمثلات والمواقف نظرا لوجود مجموعة من المعتقدات النمطية السلبية، لأن لدى الناس تصورا راسخا بأن المريض النفسي هو إنسان خارج المرجعية الجماعية. أي أنه إنسان لا معياري لكونه غريب الأطوار، يصعب فهمه والتواصل معه لأنه يشكل خطرا على الآخرين، ولا يتحكم في تصرفاته فيمكن أن ينسلخ من ملابسه في أي لحظة، كما يمكن أن يعتدي على غيره دون سبب، مما ينتج عنه تصرفات إجرامية حادة. وهذه التمثلات السائدة حول المرضى النفسيين تصنفهم خارج المعيارية الاجتماعية والمفهوم الثقافي للجماعة، وهذه هي التمثلات والقناعات السائدة حول المرضى النفسيين في المغرب. وهذه النظرة للأسف تولد معها مجموعة من السلوكات الاجتماعية كالنفور والتباعد والرغبة في محاصرة هؤلاء المرضى النفسيين والعمل على عزلهم إما في مستشفيات الأمراض العقلية أو حتى في السجون، وحصرهم في فضاءات خاصة لإبعادهم عن الناس العاديين، وبذلك يتم تهميشهم وإقصاؤهم داخل المجتمع. ما هي انعكاسات هذه النظرة السلبية على علاقة المريض النفسي بمحيطه الاجتماعي؟ هذه التمثلات والمواقف والقناعات تتحول إلى سلوكات وممارسات سلبية تتمثل في النفور والتباعد والإقصاء ثم عدم الرغبة في التواصل مع المريض النفسي، الذي يحس بعدم الثقة في الآخرين، وبالغربة والعزلة في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه بالرغم من حاجته لهم من أجل مساندته ومرافقته في معاناته وهو الشيء الذي يزيد من معاناته واضطراباته. فالإنسان هو كائن اجتماعي في حالة الفرح والسرور كما في حالة المعاناة والألم والمريض النفسي في مرحلة المرض القصوى هو في حاجة أكبر لمن يتفاهم معه ويرافقه وينصت إليه ثم من يدعمه، وعلى العكس من ذلك نجد أن هذه التمثلات تزيد من تهميشه وإقصائه، مما يولد لديه نوعا من الفصام الاجتماعي والقطيعة بين المريض ومحيطه الاجتماعي. ما هي نوعية المعاناة التي تمر منها الأسر التي لديها مريض نفسي؟ تظهر المعاناة على مستويين. المستوى الداخلي أي من الناحية الأسرية لأن وضعية المريض النفسي سواء علائقيا وسيكولوجيا وحتى رمزيا هي وضعية غير مريحة للوسط الأسري، لأن المريض وهو عنصر من الأسرة الذي تجمعهم به المحبة والارتباط الوطيد يوجد في حالة مرض نفسي له معاناته ومواصفاته الخاصة، وهذه المواصفات والمعاناة تنعكس على الحياة الأسرية على مستوى العلاقات وطريقة التواصل والتفاهم، فالمريض النفسي يحتاج إلى المساندة والرعاية بشكل خاص أكثر مما كان عليه خارج الحالة المرضية، وبالتالي يكون هناك تحول جذري في المعاملة والتصرف. والأسر تجد نفسها فجأة مضطرة إلى تغيير نمط التصرف مع فرد من أفرادها، من خلال السلوكات والمعاملة حيث يصعب عليها مجاراة المريض في النوبات التي تنتابه، والسلوكات التي تصدر عنه، فيصبح داخل الحياة الأسرية نوع من الاضطراب والمعاناة وهذا يغير من مناخ وجودة الحياة الأسرية نظرا لوجود هذه الحالة التي تؤثر على التوازن والعلاقات الأسرية بشكل عام. فحالة المريض النفسي تولد معها المعاناة الجماعية للأسرة ككل ثم المستوى الثاني الذي يتمثل في نظرة الآخرين إلى المريض وإلى أسرته التي تولد إشكالا من نوع آخر حيث تقل الزيارات للأسرة التي يكون أحد أفرادها مريضا نفسيا، وتصبح الأسرة مقيدة ومحاصرة بنظرات الناس السلبية، مما يضيف معاناة أخرى للأسرة التي تعاني على المستوى الاجتماعي في علاقتها مع الأسر الأخرى، ومكانتها داخل المجتمع. حاورته مجيدة أبوالخيرات أستاذ علم النفس الاجتماعي