على مواقع التواصل الاجتماعي تتناسل فيديوهات تصور رجال أمن خلال عمليات رشوة.. 50 درهما، أحيانا أخرى 100 درهم، يركز «القناص»، وهو الاسم الذي أصبح يطلق على الشخص الذي يلتقط الفيديو خلسة، على صورة المبلغ المالي ثم على وجه الشرطي البشوش الذي يتسلم المبلغ، وبعد لحظات يكتسح عدد هائل يعد بالآلاف الصفحة التي نشر عليها الفيديو. مثل هذه الأشرطة تلقى سيلا عارما من تعليقات المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، آخرها تجاوز نصف مليون متفرج. لكن إذا كانت كاميرا القناصة توجه باستمرار نحو الطرف الذي يتسلم الرشوة وهو الشرطي، فإن ولاية أمن الدارالبيضاء هذه المرة استعانت ب«قناصتها» كي يوجهوا كاميراتهم إلى الطرف الآخر، أي المواطن الذي يسعى لحل مشاكله ويصلح أخطاءه ومخالفاته ب50 و100 درهم. إذا كانت كاميرات القناصة/المواطن تلتقط مشاهد لعمليات رشوة، فإن رجال الأمن هذه المرة صوروا ووثقوا في بلاغات ومحاضر رسمية عمليات إرشاء، دون أن يستعينوا بكاميرات حقيقية. مصالح الأمن لا تتساهل مع رجالها المرتشين الذين ضبطوا في حالة تلبس بكاميرات القناصة، لكنها في نفس الوقت مرت إلى مرحلة الهجوم عوض الاكتفاء بالدفاع عن سمعة ونزاهة جهازها. في بلاغ لها أصدرته أمس الثلاثاء لفتت ولاية أمن البيضاء الانتباه إلى أن رجالها يتعرضون باستمرار لمحاولات إرشاء وقد أصرت هذه المرة على رصد العديد من الحالات التي قالت إنها تتكرر في العديد من مقرات الدوائر والمصالح الأمنية. جل العمليات التي تضمنها بلاغ الأمن تتعلق بمحاولة إرشاء رجال أمن من شرطة المرور من أجل التغاضي عن تسجيل مخالفة، وتتراوح قيمة مبالغ الرشوة مابين 100 و200 درهم. غير أن هناك عملية إرشاء استحق رجلا الأمن اللذين بلغا عنها ترقية استثنائية إلى رتبة ضابطا أمن. الأمر يتعلق بعنصرين من فرقة الدراجيين ضبطا شخصا بحوزته 19كلغ من المخدرات فحاول إرشاءهما بمبلغ عشرة ملايين سنتيم لإطلاق سراحه، لكنهما رفضا تسلمها وقدماه للشرطة القضائية لمنطقة الحي الحسني. باقي عمليات الارشاء التي جاءت في البلاغ تتعلق إحداها أيضا برشوة قيمتها 15 ألف درهم رفض عنصر أمني بمنطقة ابن مسيك سيدي عثمان تسلمها من سائق سيارة على مثنها ثلاثة أشخاص بحوزتهم عشرين قطعة من الشيرا وهواتف نقالة. حكايات الارشاء تتوالى ففي 16يناير تقدم شخص إلى دائرة الوفاق للإبلاغ عن عملية سرق تعرض لها وبعد استقباله من طرف عميد الشرطة الممتاز رئيس الدائرة تبين أنه عليه تقديم الشكاية لدى دائرة أخرى حيث تمت سرقته لكن المشتكي أصر على إجراء المعاينة من خلال محاولته إرشاء العميد بمبلغ مائتي درهم، هكذا تحول من مشتكي إلى مشتكى به ووضع رهن الحراسة النظرية. شاب وفتاة ضبطا في حالة سكر حاولا تقديم مائة درهم للعناصر الأمنية التي اعتقلتهما. ثلاثة أشخاص بمنطقة عين السبع الحي المحمدي في حالة سكر على متن دراجة ثلاثية العجلات، حاولوا إرشاء رجال الأمن بمائتي درهم. فرقة المرور والجولان بأمن مولاي رشيد تضبط شخصا يشتغل بالنقل السري، هذا الأخير حاول تقديم مائتي درهم لرجال الأمن لكنهم أصروا على اعتقاله والتبليغ عن محاولة الارشاء. سائق ركن سيارته في مكان يمنع فيه الوقوف قرب محطة ولاد زيان، وعندما رفض شرطي المرور تسلم مائة درهم منه والتغاضي عن المخالفة، قام بتهشيم زجاج سيارته فتم إيقافه وتقديمه للعدالة. هي كلها حالات رفض خلالها رجال الأمن تسلم مبالغ مالية كرشوة من أجل عدم القيام بمهامهم والتغاضي عن المخالفات أو الجنح التي ارتكبها المخالفون، وثقتها مصالح الأمن في محاضر لتعلن بدورها عن إرادتها في تخليق الحياة المهنية في صفوف موظفيها، ولتواجه كاميرات القناصة الذين لا يفترون عن فضح رجال الأمن والدرك المرتشين. محاضر الإرشاء في مواجهة أشرطة الرشوة.. لعلها وسيلة جديدة لمحاربة الرشوة الصغرى في انتظار وسيلة أنجع لمواجهة الفساد الأكبر..!