بمجرد ما رفع المغرب تحفطاته عن المادة 16 من الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، حتى سارع التيار المحافظ إلى الاعتكاف على دبج بلاغات رافضة لهذه الخطوة، لتخرج الحركة النسائية من الجهة الأخرى وترد ببلاغات مضادة تذهب إلى اتهام العدالة والتنمية باستغلال الدين لأغراض انتخابية وسياسوية. منذ الفاتح من شتنبر الماضي، اليوم الذي رأت فيه المادة المذكورة النور على صفحات الجريدة الرسمية معلنة عن دخولها حيز التنفيذ، هذا الظهور أثار انتباه رفاق عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ونظرائهم في حركة التوحيد والإصلاح، فلم يتردد إخوان محمد الحمداوي رئيس الحركة في الإسراع إلى عقد اجتماع طارىء ووضعوا مضمون المادة على طاولة النقاش، وانخرطوا في نقاش تفاصيلها، وبعد مشاورات طويلة، انكبوا على تحرير بيان، اعتبروا فيه أن رفع التحفظ يعد «استهدافا واضحا لبنيان وتماسك الأسرة المغربية و ضدا على أحكام شرعية قطعية، وانتهاكا جسيما لأبسط مستلزمات الديمقراطية التشاركية». أمام هذه الهجمة على رفع المغرب تحفظاته على التمييز ضد النساء، لم تقف الحركة النسائية مكتوفة الأيدي في مواجهة الخطوات التي أقدم عليها حزب العدالة والتنمية عن طريق ذراعيه الدعوي والنسائي، والتي رسمت صورة ملتبسة وغامضة لدى نساء الحركة بكل أطيافها، وبعد تردد طويل، وجدت نفسها على الخط للرد على بيانات وتصريحات الإسلاميين، ففضلت أن تصوغ ردها على شكل بيان، وقعته فيدرالية الرابطة الديموقراطية لحقوق المرأة ، واعتبرت أن «عودة حزب العدالة والتنمية إلى استغلال الدين لمناهضة حقوق النساء هو لأغراض انتخابية وحسابات سياسوية تحاول تهريب النقاش من مسؤولية الدولة والأحزاب في ضمان هذه الحقوق»، وتضيف في بيانها «وبدل ذلك عاد إلى خلق أجواء التكفير والقذف والسب التي كان قد لجأ إليها في موقفه من الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية»، محررات البيان وهن منهمكات في كتابة البيان، استحضرن تفاصيل معركتهن من أجل مدونة الأسرة فكتبن «هذا ليس بغريب على حزب العدالة والتنمية وجمعياته غير المستقلة في قرارها وارتباطها التنظيمي والتي سبق لها مواجهة الحركة النسائية بالتغييرالشامل والجذري لمدونة الأحوال الشخصية». لكن ما حز أكثر في نفوس رفيقات فوزية عسولي في فيدرالية الرابطة الديموقراطية لحقوق المرأة، وهن يتصفحن الموقع الإلكتروني لحركة التوحيد والإصلاح، هو اندهاشهن من حجم ما أسموه في بيانهن «القذف والسب»، لما كن يقرأن تعليقا عبارة عن رسالة موجهة إلى الملك تطلب منه التدخل ضد «السفلة والسفهاء» في إشارة إلى أعضاء الحكومة. دخول الحركة النسائية على الخط، أملته التزامات المغرب الدولية والدستورية في هذا الموضوع، فرفعه التحفظ عن المادة 16، التي تعنى بالزواج والصداق والنفقة واسم العائلة واستقلال الذمة المالية للمرأة والحضانة والتبني والكفالة والإرث، وإن كان قد أثار غضب الحمداوي ورفاقه بالجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، فإن شرارته انتقلت لتشتعل داخل قطاعه النسائي، وهو ما جعل عزيزة البقالي رئيسة منظمة تجديد الوعي النسائي تفكر في صيغة أخرى للرد، فلم تر أمامها سوى مراسلة المجلس العلمي الأعلى لطلب استفتاء في الموضوع، ومراسلة وزير الخارجية والتعاون لتوضيح حيثيات الملف، مع توجيه دعوة إلى الفرق البرلمانية لعقد اجتماع استثنائي للجنة الخارجية واشتراطها حضور الطيب الفاسي الفهري للاطلاع على حيثيات هذا الملف. وإذا كانت عسولي ورفيقاتها في الفيدرالية غاضبات بخصوص هجمة حزب المصباح عبر جناجيه الدعوي والنسائي، فإن رفيقتها خديجة الرباح منسقة الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة، اختلطت لديها مشاعر الغضب مع الاستغراب وهي تبحث عن كلمات تقولها في اتصال مع «الأحداث المغربية»، «شيء طبيعي أن يرفع المغرب هذه التحفظات، حتى يمكن له أن يلائم ترسانته القانونية على مستوى قانون الأسرة والجنسية مع القوانين الدولية والدستور الجديد»، مضيفة دون أن تخفي حيرتها «الحزب صوت بنعم على الدستور، وهو على معرفة تامة بمقتضياته ومضامينه الواضحة حول هذا الموضوع»، لتنتفض بعد ذلك بلغة حازمة، متسائلة فلماذا كل هذه الضجة؟.