رب موسى، يامن فلقت البحر من أجل نبيك، حاول أن تفلق بعض الرؤوس من أجل أن يدخل إليها بعض الضياء. AHDATH.INFO – خاص هكذا إذن؟ أضفنا "إنجازا" جديدا لكل إنجازاتنا وأصبحنا نمنع الأفلام بدعوى أنها تمس "عقيدة المسلمين"؟ يجب الاعتراف بأن القرار "ثوري" و"خطير" و"غير مسبوق"، في بلد ألف أن يترك هاته الحرية القليلة للمبدعين ولعوالم الإبداع، وربى نفسه منذ سنوات عديدة على أن التعامل الفني أو السينمائي أو الغنائي أو الشعري أو المسرحي مع أي موضوع هو تعامل غير حقيقي، تعامل تخييلي إبداعي لا يمكن على الإطلاق أن تناقشه بمفهوم القوانين، وبمنطق الحرام والحلال. لكن لا بأس. لكل شيء بداية و"ماصعيب غير البدو" مثلما يقول المغاربة. بالأمس كان الإخوان في المعارضة، وكانوا يكتفون بمحاولات قلب الطائرات حين تبث أفلام سبايدر مان وهو يقبل البطلات المرافقات له في الفيلم وفي رحلة الطائرة. اليوم هاهم في موقع القرار، ويمكنهم أن يتخذوا ماشاؤوا، ولهم الحق في ذلك، ولا أحد منا – أقول لا أحد – يمتلك حقا ولو صغيرا للاحتجاج عليهم هم هنا بالصوت الشعبي، النابع من الصناديق، وعادة الصندوق هي أنه يعلبك، يجعل منك قالبا محددا ويفرض عليك أن تفكر مثل الجموع. والجموع قالت إن فيلم ريدلي سكوت يسيء للدين ويمثل الله، للك وجب الإنصات للجموع. وجبت الإصاخة الكاملة للسمع لها، ووجب ترديد العبارة الشهيرة "سمعا وطاعة أيتها الجموع". شيء واحد يحز في النفس حقا هو أن العالم لن يتحدث عنا بعد الآن بذلك الاستثناء الحر الجميل الذي كنا نفاخر به كوكب الغباء المحيط بنا. من الآن فصاعدا سيقال إن المغرب مثل البقية منع فيلما لأنه "يسيء" للإسلام ولليهودية وللمسيحية ولكل الديانات سنحرم من نقطة التميز الصغيرة هاته، تلك التي كانت تجلب لنا استثمارات سينمائية ضخمة للغاية تعرف ألا أحد سيركز كثيرا في السيناريوهات لأنها أعمال إبداعية. وسنخسر ذلك الامتياز الخاص بنا الذي كان يجعل العديد من النجوم العالميين يفضلون هذا البلد لأنه بلد لا يمارس الرقابة الغبية على المصنفات الفنية. ثم لا تنسوا نحن في المغرب، كنا إلى وقت قريب الدولة والبلد الوحيد الذي يستطيع أن يقول إنه لمدة 11 سنة لم يمنع فيلما واحدا، لم يصادر شريطا واحدا، ولم يقتحم قاعة سينمائية واحدة لكي يطلب من عمالها عنوة أن ينزلوا الملصق وأن يذهبوا لحال سبيلهم لأن الوقت وقت جد ولا يقبل أي لعب أو هزل. ومع ذلك يجب أن نذكر بها الأغبياء من المؤمنين بالرقابة: فيلم "إكسوديس" في المغرب كان سيمر مرور الكرام. كنا بضعة مئات أو آلاف على أكثر تقدير سنكلف أنفسنا عناء التحول حتى قاعات السينما التي ستعرضه. سنشتري قبل الدخول حبات "البوب كورن" الساخنة، ومشروبا غازيا أو ماء معدنيا لتفادي الشرق. سنشاهد البيبلوم الذي رآه عدد منا خارج أرض الوطن قبل هذا الوقت. سنقول إنه عادي، أو جيد، أو تافه أو متميز، حسب رأي كل واحد منا. سنخرج ونحن نستحضر أفلام ريدلي سكوت السابقة، وهل هو أفضل منها أم أسوأ أم متعادل، ثم سننسى الموضوع تماما. أوووه، تذكرت قد نكتب عنه بضعة كلمات في صفحاتنا السينمائية المتخصصة، وقد يخصص له بلال مرميد خمس دقائق في برنامجه على"ميدي آن" يشبعه سبا لأنه لم يعجب سيادته، وستنتهي الحكاية. الآن، هناك مستجد بسيط أهديتموه لنا بفضل غبائكم الخرافي: سنتحدث عن فيلم ريدلي سكوت في صفحاتنا الأولى وفي الصفحات السياسية، سنتساءل هل هي بداية عصر الرقابة على المصنفات الفنية من طرف حكومة الإسلاميين في المغرب رغم أننا نعرف الجواب؟ سنخصص له عديد المقالات، وسنرد على كل وسائل الإعلام الأجنبية التي ستتصل بنا لكي تسألنا "هل أصبح المغرب مثل البقية يفرض الرقابة الغبية على الأفلام؟" ألا ترون أن ريدلي سكوت وفيلمه ملزمان بشكركم، سادة العبقرية الكبرى، على ضربة الإشهار الموفقة هاته؟ أكيد سيفعلها ذلك اللعين، إطلعوا على نسخة الشريط الجديد، قد تجدون في جنريك الفيلم الختامي عبارة تنويه بكم وبذكائكم الذي منحه فرصة الانتشار الإشعاعي هاته. دمتم لغبائكم إلى آخر الأيام، ودامت لنا مواقع الصين وروسيا التي قرصنت الفيلم وجعلته ممكن المشاهدة في الأقراص وعلى الحواسيب من الآن إذا أردتم. قبل أن أنسى: زوروا درب غلف بالبيضاء، وبقية مواقع بيع الفرجة المجانية للفقراء، ستجدون الفيلم هناك، حاولوا أن تمنعوه من تلك الأمكنة أيضا... رب موسى، يامن فلقت البحر من أجل نبيك، حاول أن تفلق بعض الرؤوس من أجل أن يدخل إليها بعض الضياء…