هي سابقة تعد الأولى من نوعها في بلد مثل المغرب ظل على امتداد السنوات الأخيرة كلها يقدر السينما ويحترم حرية الإبداع، ويسجل إسمه باعتباره البلد الأكثر احتضانا لتصوير الأعمال الأجنبية الضخمة: الحكومة المغربية التي يقود ائتلافها حزب العدالةوالتنمية الإسلامي تمنع عرض فيلم "إكسوديس" آلهة وملوك" للمخرج العالمي الكبير ريدلي سكوت. بدأ الأمر كإشاعة وانتهى حقيقة موثقة بوثيقة صادرة عن لجنة مراقبة الأفلام في "السي سي إم" أو المركز السينمائي المغربي تذرعت بأن الفيلم يجسد الذات الإلهية، وأن هذا الأمر ممنوع في كل الأديان السماوية. من يتابعون عن كثب العمل السينمائي المغربي يعرفون أن الأمر كان متوقعا منذ أن وضعت حكومة الإسلاميين على رأس وزارة الاتصال التي تشرف على مركز السينما أحد أكثر مريدي حركة "التوحيد والإصلاح" المتشددة التزاما أي مصطفى الخلفي، لكن مشكلة الوزير هي أنه وجد في المركز السينمائي رجلا مؤمنا بحرية الإبداع يسمى نور الدين الصايل. لذلك ترك الخلفي كل مهامه في وزارة الاتصال، وترك حروب التلفزيون التي انهزم فيها أمام النافذين في هذا الجهاز، وتفرغ لمعركة شخصية صغيرة للغاية هي معركة إزالة نور الدين الصايل من منصبه. تمكن الخلفي منذ أسابيع من الأمر، ووضع منتجا على رأس المركز السينمائي، هو صارم الفاسي الفهري، وأصر على أن يعقد المجلس الإداري الأخير لمركز السينما في فندق "أطلس مدينا سبا" بمراكش في اليوم الثاني لمهرجان الفيلم الدولي، وبالتحديد في هذا المكان لأنه الفندق الذي ينزل فيه نور الدين الصايل من أجل أن يوصل إليه الخبر القائل إن مرحلة جديدة قد بدأت في مركز السينما، وهي مرحلة لن تتأخر ملامحها في الظهور. أولئ البشائر، أو أول الغيث الذي سيتحول إلى طوفان، منع فيلم ريدلي سكوت من العرض في المغرب تماما مثلما وقع في مصر، وهذه هي السابقة الكبرى، فالمغرب كان دائما يتمكن من تسجيل استثنائه على هذا المستوى مقارنة بالدول الأخرى التي تخاف الحرية الفنية وتلجأ لأغبي الحلول في مواجهتها أي المنع أو الرقابة. لكن هذه المرة الخطأ وقع، والمغرب سجل انخراطه في الغباء المحارب لعمل سينمائي هو في البداية وفي المنتصف وفي الختام مجرد عمل سينمائي. لن يزعزع عقيدة متفرج، ولن يغير أي شيء، فقط سيسجل علينا أننا أصبحنا مثل الآخرين: نمنع الأفلام التي ترعبنا بحريتها وبقدرتها على تناول الأمور بطريقة أخرى غير تلك التي حنطنا أنفسنا فيها. من الفائز في العملية؟ حزب العدالة والتنمية والحكومة التي يقودها والتي لم تستطع محاسبة وزير على فضيحة تورط فيها، لكنها استطاعت معاقبة مخرج دولي بمنع فيلم على أرضها؟ من الخاسر الأكبر في العملية؟ المغرب. لكن منذ متى كان أحد يهتم باسم هذا البلد الكبير داخل هاته الحسابات السياسوية الصغيرة ؟ سليمة العلوي