اذا أردنا معرفة الموقف المختبئ وراء التسرع في ازاحة قامة كنور الدين الصايل من منصبه بعدما لم تنفع معه اشارة قطع المنحة كنوع من اظهار العين الحمراء من البداية.. أي اما الرضوخ و اما التضييق.. يجب ان نعرف أولا رؤية مصطفى الخلفي للسينما و التي تختلف جذريا عن رؤية نور الدين الصايل.. رؤية وزير الاتصال هي رؤية حركته التي هي الفرع الفكري لجماعة الاخوان في المغرب.. و الاخوان في أول بلاغ لهم بعد ثورة الضباط الأحرار سموا دور السينما بدور اللهو ومن اطلع على حوار مرشدهم العام مع عبد الناصر يكتشف ما يلي : "ورأي المرشد العام أن تصدر الثورة قانونًا يفرض الحجاب على النساء، وأن تغلق دور السينما والمسرح"!. ليس هذا فقط.. في مجلتهم الدعوة عدد رقم 49 نتابع العجب.. في يونيو 1980، عنوان رئيسي: "حول الفنون المستوردة", وتشير المقدمة إلى سيل من الأسئلة "عن حكم الأغاني ودخول السينما ومشاهدة التمثيليات وسماع الموسيقى." و نتابع القراءة في مجلتهم لنستلهم الذرر النفيسة فنجد : "وقد يعجب بعض الناس من هذا ويقول إن هذه الأشياء من المقومات الكبرى لدى سائر الأمم المتحضرة في هذا العصر. ونقول: إن الإسلام لم يقف من هذه الأشياء هذا الموقف إلا لأنها مستوردة من حضارة غير حضارته، ونابعة من تصور غير تصوره، وللإسلام منطلق "حضاري آخر مستقل بذاته لا يتفق أبدًا ومنطلقات هذه الحضارة".. الحقيقة أن الاسلام لم يكن يعرف السينما و لا الاخوان لوميير و لم يكن اذن معنيا بأن يقف ضدهم.. لكن المسلمين و قد كانوا في عز تخلفهم عن العصر وقفوا موقفا موحدا نضاليا ضد كل ما ياتي من الغرب الكافر.. من الة الطباعة الى الة التصوير مرورا بالمذياع و جهاز التلفزيون.. فلا تحملوا الاسلام العالمي تخلف المسلمين الذين أغلقوا على أنفسهم حتى فتح الغرب عليهم الأبواب ليستنشقوا من جديد العلم و الأدب و الفنون و الحرية و الديمقراطية و حقوق الانسان و قد ناموا لعشرة قرون دون أن ينفعوا العالم بشئ الا ما كان من الفلتات.. تفكير الاخوان ضحل للغاية و لنتمعن في هذه الجملة "كيف يُمنح السادة نجوم السينما جوائز وشهادات تقدير ونقيم لهم مهرجانات من أموال الشعب المسكين ونستضيف العاهرات والسكارى من كل بلاد العالم في أفخم الفنادق.. كما حدث في مهرجان القاهرة الدولي للسينما.." . هذا الاستنكار الاخواني في مصر الذي وصف الممثلين و المخرجين بالعاهرات و السكارى يقابله عندنا من تشرب خزعبلاتهم فقام يصف الفنانة ليلى علوي بالعاهرة و هو بالمناسبة عضو بجماعة التوحيد و الاصلاح ذراع الاخوان في المغرب حتى لو حلفوا على المصحف.. في العدد رقم"37" من نفس المجلة، يونيو 1979، ترد الأستاذة زينب الغزالي، محررة باب "نحو بيت مسلم"، على الأخت القارئة "ه.ا.ع" من الزرقاء بالأردن. السؤال غائب، لكن الإجابة كفيلة بالكشف عن محتواه: "ليست كل نساء مصر محترفات على شاشة التليفزيون وأستوديوهات الإذاعة والسينما وخشبة المسرح. وقريبًا إن شاء الله يتطهر العالم الإسلامي من إثم المحترفين والمحترفات". في إجابة السيدة زينب الغزالي تأكيدان، الأول أن محترفات الفن، حتى في الإذاعة!، لسن فاضلات!.. و الثاني تأكيدها الحاسم على اقتراب"تطهر" العالم الإسلامي من"آثام"محترفي الفن و محترفاته!.. و بعد ان فشلت زينب الغزالي بعد أربعين سنة من كلامها و فشل رئيسها مرسي في المخطط.. لاشك أن مصطفى الخلفي وزير حركة التوحيد و الاصلاح في الاتصال قد أخذ المشعل.. و لما لا ? أو ليس المغرب جزءا من العالم الاسلامي المعني بسياسة التطهير الاخوانية في مجالات الاذاعة و التلفزيون و السينما.. نعرف أنه فشل في التلفزيون لكن له شرف المحاولة و تحيات زينب الغزالي من حيث هي.. الأن جاء دور تطهير السينما و البداية من مدير المركز السينمائي و البقية معروفة.. على أثر واقعة قبلة سبايدرمان التي افتعلها افتاتي في طائرة مصرية لينقل اليهم التجربة الكالحة للاخوان في المغرب و يظهر لهم وجه المغرب الطالباني الذي كان منتشيا في تلك الأثناء محمولا على أكتاف الخريف العربي.. يمكننا الجزم بأن مصطفى الخلفي كما بوخبزة كما نهاري كما الحمداوي كما افتاتي كما بقية البقية مسقيون بمغرف واحد.. مغرف الاخوان و نظرتهم الى السينما. أتباع الخلفي و مشايعوه يريدون سينما الأسرة و الجمهور الناشئ.. لا اعتراض.. لكن بالتأكيد أن فهمهم لهذه السينما متخلف للغاية.. لأن سبايدرمان الذي حسبه افتاتي من فرط جهله بفن السينما فيلما بورنوغرافيا.. هو في الحقيقة فيلم للأسرة و لكل أنواع الجمهور.. هذا الفيلم فيه قبلتين على أقصى تقدير و لكنه في فهم مصطفى الخلفي و افتاتي و هم أبناء ايديولوجية اخوانية واحدة.. فيلم اباحي.. أما الفيلم المغربي اذا كانت فيه قبلة واحدة حتى.. لا اثنتين.. فهو بالتأكيد فيلم بورنوغرافي حسبهم.. مصطفى الخلفي يريد سينما واحدة لأنه بحسب تفكيره الاخواني لا توجد في المغرب سوى أمة اسلامية واحدة.. لها نفس الفهم للفن.. فهمه.. و لها نفس الذوق في الأفلام.. ذوقه.. و لها نفس الكره للحرية في الابداع و التخييل و الحكي السينمائي.. كرهه.. و هذا لسوء حظه ليس صحيحا.. الأمة المغربية متعددة المشارب الثقافية.. و هو نفسه دليل على هذا التنوع.. نحن لا نلومه لانه اختار الثقافة الاخوانية.. نحن نلومه لانه يستغل منصبه لكي يجعلها هي الثقافة المرجعية و المسيطرة في النظرة الى السينما المغربية.. نقول لمصطفى الخلفي أنه اذا كان للاخوان فضل عليه لانه تعلم على أيديهم أو على أيدي مريديهم في المغرب كيف يستغل الدين ليوقف تطور مجتمعه الفكري و الثقافي و الفني.. فان المغرب السينمائي لا يقر للاخوان بأي فضل في كونه ثاني بلد عربي من حيث الانتاج السينمائي و الأول من حيث الجوائز الدولية التي تحصدها أفلامه في المهرجانات العالمية.. يطلق أتباع وزير الاتصال خرافات و أساطير على السينما المغربية بدءا من كونها سينما الدعارة و المثلية الجنسية حتى يسهل الاجهاز عليها.. فذلك ديدنهم حتى حينما يريدون الاجهاز على منافس حزبي أو فاعل اقتصادي أو جمعوي أو ممثل سينمائي لا يشاطرهم الرؤية.. تشويه السمعة ذلك سلاحهم.. يعرف مصطفى الخلفي أن جريدة التجديد التي كان مديرها لا تفي بالغرض لمحدودية انتشارها.. و لذلك فموقع اخباري مثل هسبريس حيث أصدقاؤه في الدراسة و في الايديولوجية و في النظرة للسينما سلاح يجب استعماله بأقصى ما يمكن من دس السم في العسل.. حتى أن بعض الظرفاء أصبحوا يقولون أضحك الله سنهم أن وزير الاتصال أصبح هو رئيس التحرير الحقيقي للموقع.. يمكننا أن نعود لهذا الموضوع بتفصيل في حينه.. و لكن ما يهمنا الان هو أنه كيف أصبح الموقع وسيلة بروباغاندا لفرض نوع واحد في النظرة الى السينما.. عبر توريط فنانين بأسئلة حول الاباحية كما لو أننا ننتج أفلام بورنو حقيقة.. و طبعا الفنان المسكين و تحت ضغط الميليشيات الالكترونية للتيار الديني يجد نفسه مضطرا لكي يتبرأ من الأشياء التي لن يقوم بها.. الله أكبر.. أما اذا اختار فنان واعي بخبث الأسئلة و الاستراتيجية التي تكفل بتنزيلها أتباع الخلفي في الموقع أن ينتصر للحرية.. فان الميليشيات التي تقطن في الموقع ستكون له بالمرصاد.. خصوصا اذا اختار الصحافي عنوانا يظهره بمظهر الخارج عن الجماعة.. الغير محترم للأخلاق الاخوانية التي تهتم أكثر بما تحت الحزام.. المفارق لنظرة مصطفى الخلفي للسينما.. ركن اخر في الاستراتيجية هي الاحتفاء بتصريحات "جهابذة في الفكر و الثقافة" خصوصا اذا أفتوا على المخرج بتعرية أخته.. و هذا يجرنا لمخطط الاخوان ضرب الفنانين بعضهم ببعض و أكل الثوم بفم من تطوع.. مصطفى الخلفي لا يلعب و قد يكون أول من استلقى على قفاه من الضحك حينما سمع مولاي اسماعيل العلوي واحد من حكماء حزب الشيوعيين المتحالف مع الاخوان يقول أن حزب العدالة و التنمية هو من يتبع حزب التقدم و الاشتراكية و ليس العكس.. و الحقيقة أن مولاي اسماعيل العلوي و مع كل الاحترام لشخصه لا يعرف ربما ماذا يجري في وزارة الاتصال و التي كان تسليمها للاخوان خطأ استراتيجيا فادحا.. فمصطفى الخلفي يمكنه أن يكون ناطقا باسم حكومته.. فمستواه في "القرنابي و الدستور و المعاهد الامريكية و الدراسات و و و" ليس سيئا.. و لكن ربط الناطق الرسمي بوزارة الاتصال لا يمكن ان يكون أتوماتيكيا.. نقول هذا لأن مصطفى الخلفي لا يطبق برنامج الأغلبية الحكومية في وزارته.. كان ذلك في دفاتر التلفزيون حيث أراد تمرير ولاية الفقيه في البرامج التي تبثها قنوات القطب العمومي تحت غطاء الشفافية و التنافسية و الزلابية و الشباكية و بقية المصطلحات الغليضة.. و التي يخفي غلضها الأهداف الغير مصرح بها في اطار خاوية فعامرة.. و ظهر الان في سياسته لضرب السينما المغربية و مكتسباتها من الداخل.. مشكلة مصطفى الخلفي أنه يحتقر ذكاء المغاربة.. و للأمانة فهو انسان على قدر معتبر من الذكاء.. لا غرابة.. فهو مغربي أيضا.. و لا فضل للاخوان عليه في هذا الأمر.. بالعكس.. الاسلام السياسي يصيب أصحابه بلوثة الغباء مع طول مدة المعاشرة.. و لحرصنا عليه سنقول له حقائقه الأربعة دون مواربة.. الحقيقة الأولى هي أن حركة التوحيد و الاصلاح و حزب العدالة و التنمية و على عكس ما يريد أن يقنعنا به لا تختلف كثيرا في تفكيرها عن جماعة بوكو حرام أو حركة الشباب الاسلامي في الصومال.. كونكم تتشبهون بالكفار في اللباس و ربطة العنق الصليبية و تشذبون لحاكم لا يجعل منكم معتدلين.. أنتم معتدلون لأن الدولة التي تعيشون في كنفها دولة قوية و الشعب الذي تخالطونه معتز بحريته فطريا و معتدل بالسليقة و متعدد بالجغرافيا و التاريخ.. الحقيقة الثانية أنكم أصحاب معارك خاسرة.. نتذكر حملاتكم لمقاطعة مطاعم ماكدونالدز "الصهيونية" كما كنا نتابع في أدبياتكم.. و أحيانا الله حتى شاهدنا أتباعكم في كنفها.. و لا غرو.. فقد تضاعفت أعدادها ثلاث مرات منذ حملتكم الغبية.. و نتذكر معركة وزير العدل و الحريات الحالي في معركته ضد حرية المغاربة في أن يختاروا لفلذات أكبادهم التعليم المناسب.. و كيف أنه اقترب من وصفهم بأنهم ليسوا مغاربة.. فأحيانا الله حتى علمنا أن كبيركم بنزيدان هو الذي وقع على الباكالوريا الفرنسية.. الحقيقة الثالثة هي أن حملتكم على السينما تشبه حملتكم على الفلسفة.. و تشاء الأقدار أن يكون نور الدين الصايل قد جمع الحسنيين في هذه النقطة.. الفلسفة و السينما.. أنتم ضد الفنون بصفة عامة لأنها مرتع الحرية و محرضة الأحاسيس و مفعلة المشاعر و تخلق مواطنا بحواس نشطة يكون معها مستحيلا أن يتبلد حسه ليتبعكم.. السينما بالنسبة للفنون كالفلسفة بالنسبة للعلوم الانسانية.. تحريض للعقل على التفكير و احتفاء بالنسبية و حرب على المطلقات و شك في اليقينيات و سعادة في الاكتشاف.. الفلسفة أيضا دابة الفكر الديني الاخواني.. فكركم.. لسوء حظ مدير المركز السينمائي أنه يحب الفلسفة و السينما و مثقف يصارع جهلة فيغلبوه.. كما قال الشافعي يوما.. ما ناقشت جاهلا الا غلبني.. الحقيقة الرابعة أن صراعكم مع نور الدين الصايل الذي ترك مستقبلا زاهرا في فرنسا و جاء ليخدم بلده دون أن يدور في خلده يوما أنه سيسقط ضحية الفاشية الدينية.. بالنسبة لنا ليس صراع مناصب.. حربكم في العمق هي ضد الحرية التي سمح بها نور الدين الصايل في الحقل السينمائي حتى يمكنه من الازدهار.. أنتم فاشلون في الميدان الفني.. هل يمكن لحركة دينية همها محاربة الفنون تحت مسميات شتى أن تقنعنا أن حرية السينما المغربية لا تقلقها و لا تقض مضجعها و لا تخرجها من مقبعها كلما سنحت الفرصة لمعاقبة الساهرين على هذه الحرية.. و ها قد جاء دور نور الدين الصايل? الحرية التي وفرها نور الدين الصايل كانت تعني أنه حتى المخرجين الذين يتحرجون من القبل و العري أو لا يعرفون كيف يصورون العلاقات الحميمية كان لهم الحق في الوجود.. ثم ان لجنة الدعم لا سلطة لمدير المركز السينمائي عليها فهي التي تختار لا هو.. في جريدة التجديد احتفيتم بفيلم موسم المشاوشة أيما احتفاء و هو فيلم كان في عهد نور الدين الصايل كما العشرات من الأفلام المشابهة.. لا قبل فيه و لا عري.. و هو اختيار للمخرج يحترم.. يمكن اعتباره فيلما تلفزيونيا جيدا أو فيلما سينمائيا متوسطا.. لكن وجوده هو دليل على أن عهد نور الدين الصايل كانت فيه كل أنواع الأفلام و كل مدارس الاخراج كانت ممثلة دون اقصاء.. ان خرافة أن السينما المغربية ليس فيها الا العري أسطورة سمجة.. تدل على خبث من أطلقوها و دليل فقط على أنهم لا يشاهدون الأفلام المغربية بصفة خاصة و الأفلام العالمية بصفة عامة.. و الا فقد يعتبرون الأفلام المغربية التي فيها قبل قمة في الوقار مقارنة مع السينما الأمريكية أو الفرنسية أو الأسيوية أو المصرية.. منذ أيام الأبيض و الأسود.. انها معركة ضد الحرية اذن.. منصب نور الدين الصايل لا يهم.. فصاحبه كان أكبر منه.. و قد اختار مصطفى الخلفي المعركة الخطأ في الوقت الخطأ.. و الشئ من مؤتاه لا يستغرب.. فجماعة الاخوان هي نفسها خطأ.. أكبر خطأ في التاريخ المعاصر للمسلمين.. سوقت لهم الوهم و انتهت الى دم.. و ما تبقى منها في المغرب ..يزيدنا هما على هم.. و يدخلنا في معارك نحن في غنى عنها.. كما لو أننا بصدد اعادة اختراع العجلة..