AHDATH.INFO – خاص إعلان جديد لإحدى كبريات شركات التأمين المغربية. داخل الوكالة، يقول المؤمَّن المفترض بأنه لم يحترم إشارة المرور الضوئية، فصدم دراجة نارية؛ ليرد عليه مستشار التأمين بأن التأمين الذي تقترحه الشركة يعوض عن الخسائر المادية، حتى في خالة مسؤولية المؤَمَّن عن الحادثة. إنها رسالة سلبية خطيرة من طرف شركة كبيرة تمرر إعلانها عبر التلفزيون للملايين من المغاربة. السؤال الأول هو: أين هي حدود مهام ومسؤوليات الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)؟ كيف يتم السماح بتمرير إعلان يشجع صراحة على عدم احترام الإشارات الضوئية؛ خاصة وأننا بلدٌ تقتل فيه حوادث السير 11 مواطنا بشكل يومي (وهي من أعلى النسب عالميا)؟ سيبرر البعض الأمر بكوننا في المغرب نعاني من مشكلة حقيقية في علاقتنا بقانون السير (باستثناء بعض مدن الشمال كتطوان والنواحي)، وأن أغلب السائقين لا يحترمون قانون السير، وبأن الإعلان ما هو إلا تحصيل حاصل واعتراف ضمني بواقع حقيقي، على مأساويته. لكن لا… لا يمكننا أن نشجع على ممارسات سلبية، لمجرد أنها شائعة وموجودة على أرض الواقع. الممارسات السلبية مرفوضة؛ وشيوعها لا يجعلها ولا يجب أن يجعلها مشرعنة، مقبولة، أو متعارفا عليها. إنها ليست حملة ضد شركة التأمين هذه. هي نفسها الشركة التي أتعامل معها شخصيا. لكن هذا لا يعفيها من مسؤوليتها في تمرير خطاب غير مسؤول ولا يحترم أسس المواطنة، لأنه يشجع على ممارسة غير قانونية. الآن، لنحاول توسيع دائرة النقاش بالخروج من الإعلان نفسه ومن عدم صرامة الهاكا في التعامل معه. هناك حيف كبير يمارس اليوم على كل مواطن يحترم القانون وقيم المواطنة: احترام قانون السير، انتظار الدور في الإدارات العمومية والمحطات وغيرها، عدم رمي النفايات… لأن غيره من المواطنين، الذين يمارسون سلوكات غير مواطنة، وبل ويخرقون القانون ببساطة يجب أن تقلقنا، لا تتم معاقبتهم بالشكل الصحيح. بل أنهم في النهاية قد يستفيدون من مزايا لا يستفيد منها المواطن الذي يحترم القانون. النتيجة؟ إفلات المذنب من العقاب، كيفما كانت طبيعة خطئه، تشعر الأشخاص الذين يلزمون أنفسهم باحترام القانون وقيم المواطنة، بأنهم يتعرضون لحيف غير مباشر. ما معنى أن تجبر نفسك على احترام القانون، لأنك تعتبر هذا واجبك كمواطن يساهم في البناء بشكل إيجابي؛ لتفاجئ بأن كل من يفعل العكس، لا يتعرض لأي نوع من العقاب، فيستمر في الإتيان بنفس الممارسات غير القانونية و/أو غير المواطنة؟ عادة، في نقاشاتنا وفي إعلامنا، لا نتحدث عن الإفلات من العقاب إلا حين يتعلق الأمر بمسؤولين سياسيين وأمنيين كبار، لا يعاقَبون على جرائمهم واختلالات تدبيرهم. في الواقع، الإفلات من العقاب هي منظومة فكرية تؤطر علاقاتنا بالآخر وبالفضاء العام. منظومة تمس المسؤول الكبير كما تمس المواطن البسيط في حياته اليومية وعلاقته بالفضاء المشترك. لا يمكننا أن نبني ونؤسس فعليا لدولة الحق والقانون، مع استمرار الإفلات من العقاب بكل أشكاله الصغيرة والكبيرة.