هذا الدين ملك لأمة يبلغ تعدادها مايفوق المليار والستمائة مليون، ومن العيب حقا أن تمثله تنظيمات جرثومية لايتجاوز عدد أعضائها الآلاف. هناك نقاش لابد من الانخراط فيه في العالم اليوم عن "نوع معين من الإسلام" نوع لم يعد يحمل إلى العالم بأسره إلا القتل، والإجرام والإرهاب. نحن المسلمون نعرف أنه ليس إسلاما وأنه بعيد عن روح ديننا الحقيقية، لكن الآخرين، غربا وشرقا، لا يعرفون هذا الأمر، ويقولون بصريح العبارة "هذا الإسلام خطر على الإنسانية اليوم". أول أمس الثلاثاء أتى روبير مينار الرئيس السابق لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، والذي أصبح عمدة لمدينة بيزيي الفرنسية بعد مغاردته تجربة الصحافة، بمساندة كاملة من طرف حزب الجبهة الوطنية العنصري إلى بلاتو "كنال بلوس" الفرنسية لكي يصيح هو الآخر بصوت عال هاته المسلمة التي لم يعد العديدون في الغرب وفي الشرق يترددون في التعبير عنها: نعم نحن خائفون من الإسلام. مينار ليس النموذج الأمثل الذي يمكن الإنصات له في مجال التنقيط للديانات أو الثقافات أو الحضارات أو الالتقاء بها، فمساره منذ البدء ملتبس، مر من الضغط على حكومات بلد بعينها بمنظمة "RSF" أو "مراسلون بلا حدود"، وامتد إلى الاشتغال في قطر بمقابل مجز جدا من أجل نشر حرية الصحافة فيها، والعهدة عليه طبعا، ثم انتهى عائدا إلى أحضان اليمين المتطرف الذي خرج منه، معيدا بيزيي إلى أزمنة أخرى يمنع فيها كل التصرفات التي يرى أنها تدل على انتماء لديانة لاتروقه مثل الإسلام. لكن عدم الاتفاق مع الشخص لا يعني عدم القدرة على الإنصات لبعض العقل فيما يقوله، وهو اليوم ليس وحيد في الغرب يردد هذا الكلام بل هو مجرد تمظهر لصوت يكبر يوما بعد يوم يقول إن الغربيين تعبوا فعلا من الدمار القدم إليهم على أجنحة هاته القراءة المتطرفة للدين أبرز أمثلة هذا الصوت المرتفع والإقبال الكبير على هذا الرأي هو إيريك زمور المفكر والصحافي المتطرف الآخر الذي أصبحت له شعبية لاتضاهى في فرنسا، بل وفي أوربا كلها لأنه يعبر عما يعتبره ""صوت الأغلبية الصامتة". أغلبية أصبحت بالفعل تطرح سؤال الاندماج، وسؤال التلاقح الحضاري، وسؤال إمكانية العيش المشترك بين من يتصور نفسه قادما "للجهاد في الغربيين الكفار"، وبين هؤلاء الغربيين المساكين. المشكلة هي أن الغربيين ليسوا وحيدين في مواجهة هذا التصور المرعب للدين الإسلامي. نحن المسلمون أول من اكتوى بهذا التصور قبل أن يتم تصديره للغرب، ونحن المسلمون أول من عانى من هؤلاء المجانين من أنصاف المتعلمين الذين يتم غسل أدمغتهم من أي منطق سليم، ويتم إطلاقهم على الناس في المجتمعات تكفيرا وقتلا وإرهابا وترويعا وبقية الكوارث التي نعرفها جيدا، والتي لطالما حذرنا نحن منها الغربيين حين كان هؤلاء الأخيرون يتصورون الأمر لعبة تعبير سلمي عن الاختلاف، ويقترحون مختلف التصورات الهلامية والخرافية لإدماج هؤلاء التكفيريين في مجتمعاتنا. اليوم، حسنة ماوقع من همجية وترويع هو أن الصراع أصبح واضحا بين المتحضرين والإنسانيين، وبين الهمجيين القتلة. ذلك أنه لا معنى ولا مبرر ولا قبول بقتل الآدميين دون ذنب جنوه، ولا معنى ولا مبرر ولا قبول لقتل طلبة في مدرسة مثلما وقع الثلاثاء في الباكستان، ولا معنى ولا مبرر ولا قبول بأي اعتداء كيفما كان نوعه على الآمنين للوصول إلى غنائم سياسية. التكفيريون لا يؤمنون بهذا الكلام، بل يتصورون عكسه، ويرون أنه من الممكن اليوم التضحية بعدد كبير من الأرواح من أجل فرض رعبهم على العالم، وهم سائرون في النجاح في مخططهم، ويتمكنون يوما بعد يوم من جعل أسماء تنظيماتهم الإرهابية في مقدمة عناوين نشرات أخبار العالم بأسره. بل حتى الدول التي كانت نظريا بعيدة كل البعد عن التأثر بهذا الوباء أصبحت تحياه، ووجدت نفسها مثلما وقع في أستراليا الإثنين، مجبرة على دراسة هذا الدين الذي يسمح لمعتنقيه بأن يقتلوا الآخرين من أجل أن يدخلوا الجنة مثلما يتصور التفجيريون والتكفيريون الحمقى. هذا الدين ليس ملكا لهؤلاء المجانين. هذا الدين ملك لأمة يبلغ تعدادها مايفوق المليار والستمائة مليون، ومن العيب حقا أن تمثلنا تنظيمات جرثومية لايتجاوز عدد أعضائها الآلاف. لكن المشكلة الكبرى هي أن أغلبية الأمة صامتة، وأن الأقلية المتحدثة هي أقلية الرعب، وهو مايفرض تماما مثلما ارتفعت أصوات في الغرب تتحدث باسم أغلبيته الصامتة، وتقول بأنه من اللازم طرد المسلمين وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية للتخلص من شبح الإهاب، أن ترتفع أصوات الأغلبية الصامتة في بلدان الإسلام لكي تتبرأ من الإرهابيين. السؤال الآن هو : هل يمكن أن تتبرأ حقا أمة الإسلام من هؤلاء الإرهابيين وتعتبر مايقومون به عملا إجراميا ولا إنسانيا لا يمكن قبوله؟ ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق رحم الله سي محمد بسطاوي. أصبحنا في الآونة الأخيرة مثل حفاري القبور وكتبة الشواهد عليها، نضع الجثة في القبر. نقرأ ياسين، نختمها ب"سبحان ربك رب العزة"، نفترق في العشاء على وقع ما أكلناه ونحن نتذكر مناقب الفقيد، ونتواعد على اللقاء المقبل في الجنازة المقبلة في الروضة المقبلة في الزمن المقبل. وقع رحيل السي محمد على النفس قوي وقاس ومؤلم وحزين. وعزاؤنا أنه كان يعرف كمية حبنا له جميعا. رحمه الله وكفى