برلين /10 دجنبر 2014 /ومع/ ما إن خفت صوت مسيرات نظمت مؤخرا بمدن ألمانية ضد "السلفيين المتشددين" في البلاد، قادها مثيرو الشغب في الملاعب "الهوليغنز" واستغلها اليمين المتطرف لصالحه لصب الزيت على النار وتأجيج العداء ضد المسلمين والأجانب، حتى ظهرت حركة جديدة تطلق على نفسها اسم "بيغيدا" أو "وطنيون ضد أسلمة الغرب". ورغم ن هذه الحركة بدأت تنشأ منذ منتصف أكتوبر الماضي فقط، وظهرت بمدن ألمانية محدودة ، إلا أن الذين انضموا إلى مسيرتها في مدينة دريسدن (شرق ) فاق عددهم 20 ألف شخص، وفق السلطات المحلية، حاملين خطابا لم يعتد عليه المجتمع الألماني بهذا الشكل المباشر إلا من قبل النازيين الجدد، معلنين رفضهم التام لما وصفوه بانتشار "الأسلمة" في ألمانيا وأوروبا. وإذا كانت هذه المجموعات، التي تضم أشخاصا من مختلف الأعمار ومن الجنسين ومن مختلف المستويات الاجتماعية، لم تجد أي استجابة في بعض المدن ، فقد أعلنت عزمها على مواصلة حراكها وتوسيع رقعتها الجغرافية . فالحركة نزلت إلى الشارع لتتظاهر ضد ما حددته في "الإسلام المتشدد والجهاد فوق الأراضي الألمانية وكل ما يهدد ثقافة البلاد"، حسب ما كتب في اللافتات التي يحملها المنضمون إليها، وهي شعارات يراها الكثيرون تنطوي على أهداف عنصرية محضة، وتهدد قيم التعددية التي يطمح إليها المجتمع الألماني وتستهدف المهاجرين المسلمين على الخصوص. وما يثير في هذه الحركة، التي تمكنت من لفت الانتباه إليها في وقت قياسي، هو أن المنضمين إليها لا يتحدثون إلى وسائل الاعلام للكشف عن نواياهم الحقيقية والأهداف التي يسعون إليها، ولا يثيرون أي أعمال شغب لضمان استقطاب المزيد من الأعضاء إلى صفوفهم. ووفق الإعلام الألماني، كان المتزعمون للحركة ينشطون في الحزب (الديمقراطي الحر) ذي التوجه الليبرالي، الذي خرج من الانتخابات التشريعية الأخيرة منهزما، ولم يتمكن من دخول البرلمان لأول مرة في تاريخه. كما أن الحركة انضم إليها على ما يبدو في بعض المسيرات اليمينيون المتطرفون من (الحزب القومي)، الذي عادة ما يقتنص أي فرصة للتعبير عن عداءه للأجانب، وكذا حركات أخرى تتبنى التوجه نفسه، إضافة إلى أعضاء من (حزب البديل من أجل ألمانيا) المناوئ للاتحاد الأوروبي، والذي شارك في المسيرات السابقة المناهضة ل"المسلمين المتشددين" في البلاد. ولا تمانع حركة "بيغيدا"، التي تأسست من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، في انضمام أي حركة أخرى إليها بشكل صريح وواضح. وقد كشفت إحدى الصحف الألمانية التي نبشت في ملف متزعمها، أنه شخص معروف بموقفه المتشدد المعادي للأجانب، وأن له سوابق عدلية في قضايا تهم الاتجار بالمخدرات والسرقة والقيادة في حالة سكر وغيرها. وتتزايد المخاوف في ألمانيا من أن تغذي أفكار حركة "بيغيدا" التوجه اليميني المتطرف، الذي تحاربه سلطات البلاد بكل الوسائل المتاحة، مما حدا بمجموعات في غرب البلاد، تضم ممثلين عن أحزاب سياسية ونقابات وتنظيمات مدنية إضافة إلى ممثلي الكنائس، إلى النزول إلى الشارع للتعبير عن رفض الحركة وللأفكار التي تحاول الترويج لها. وقال رئيس مؤتمر وزراء داخلية الولايات الألمانية في تصريح صحفي، بهذا الخصوص، إن متزعمي حركة "بيغيدا" يعملون على إثارة المخاوف وسط المواطنين عبر التحريض على معاداة الأجانب وإثارة الفتن ضد الإسلام. وسيكون هذا الموضوع على جدول أعمال مؤتمر وزراء داخلية الولايات المزمع عقده في غضون الأسبوع الجاري، لبحث سبل احتواءه، تماشيا مع الخطاب الرسمي، الذي يؤكد على حماية قيم التسامح والتعايش، وحرية الأديان والعبادات وقبول الآخر. وتعيد هذه الأحداث إلى الأذهان الجدل الذي يثار كل مرة بألمانيا حول إشكالية اندماج المهاجرين، خاصة المسلمين، وحول التعددية الثقافية التي اعتبرها الباحث الألماني المتخصص في الإسلام، لوتس روغلار في أحد تصريحاته، أنها واقع ملموس ومنذ زمن طويل في المجتمع الألماني، وأن الجدل حولها "دافعه هو الحد من الهجرة رغم حاجة ألمانيا إليها"، وينطوي أيضا على الخوف على مستقبل هوية ألمانيا.