بعد أن انتدب بعض المنازل القديمة بحي هيلانة، وجعل منها مقرا ومستقرا له بعيدا عن صخب الحياة الصناعية ببلد العم سام، هاله ما لاحظ من مشاهد البؤس والكآبة المحيطة بفضاء الحي، من حيث انتشار النفايات والأتربة، على مساحات شاسعة، وغياب متنفسات خضراء، تمكن عموم السكان من استرجاع أنفاسهم المنهوكة، بفرط الإهمال الذي ظلت المصالح البلدية وطيلة سنوات، تواجه به شكاياتهم وتظلماتهم. يعتبر حي هيلانة الموجود بالجانب الشرقي للمدينة العتيقة، أحد أعرق الأحياء بمراكش العتيق حيث يرجع بناؤه إلى عهد الآباء المؤسسين، حيث دفن العديد من علماء وأولياء ورجالات المدينة خلال العصرين المرابطي والموحدي، غير واقع التهميش والإهمال، الذي ظل يتعرض له طيلة العقود الأخيرة، قد حوله على أثر بعد عين، ومن ثمة انتشال الأزبال والأتربة بمختلف فضاءات الحي، وهو الواقع الذي حرك حمية المواطن الأمريكي «هانس» الذي استقر بدرب بوطويل بالحي، ومن ثمة انخراطه في سلسلة إصلاحات وترميمات. وبالنظر لحجم الإكراهات المترتبة على سنوات الإهمال، فقد تحول مدخل الحي إلى مركز لتجميع النفايات والأتربة، حيث تصب عشرات العربات المجرورة بواسطة الدواب حمولتها بهذا الفضاء، الذي يوجد على مرمى حجر من مبنى ولاية الجهة، فيما توجد الأسوار التاريخية المبتوتة على طول فضاء الحي، في وضعية سيئة، بالنظر إلى تهدم العديد من جوانبها وأركانها، مما حول المنطقة ككل إلى مسرح لتجميع مختلف أصناف النفايات، وبالتالي اضطرار السكان إلى مواجهة هذا الواقع، بعد أن اختارت الجهات المسؤولة غض الطرف عن جملة الإكراهات والمشاكل. لم يستسغ المواطن الأمريكي «هانس» الذي استقر حديثا بالحي، هذا الواقع المفروض، ومن ثمة قراره تسخير مبالغ مالية كبيرة، من ماله الخاص لتهيئة الفضاء، وتحويل مطارح الأتربة والنفايات إلى منتزهات، عبر نصب مجموعة من الكراسي والمقاعد، وبناء متنفسات، حيث امتدت مجهوداته في هذا الصدد على الفضاءات الداخلية والخارجية للحي، مع وعد السكان بالعمل على تمديد هذه الأشغال لتشمل كل الفضاء الممتد من باب هيلانة إلى سوق الربيع، في حال تمت المحافظة على الأشغال المنجزة، ولم يطلها عبث العابثين، وفساد المفسدين. ويذكر أن المصالح المعنية بالمدينة، قد انخرطت خلال السنوات الأخيرة، في مشروع تهيئة مدخل الحي من الجهة الداخلية، قصد إنجاز متحفين ببعض الأبراج المتفرعة عن السور الداخلي، غير أنه وبعد صرف اعتمادات ضخمة من المال العام، ستترك كل المنجزات عرضة للتشوهات والتلاعبات، بعد أن حولها بعض المهنيين الموجودين بالفضاء إلى ساحات لتجميع «خرداواتهم» الخاصة بالصباغة وطاولات صاحب مقهى، وبالتالي الحكم على المنطقة بالعودة إلى الوراء، بعد أن تحولت المنجزات المذكورة، إلى مجرد ذكرى. كل هذه الإكراهات ستعمل أريحية المواطن الأمريكي على تضميد جراحها، وإعادة الأمل إلى نفوس السكان من خلال أعمال التهيئة التي انخرط في إنجازها منذ شهور، وبالتالي إعطاء درس في الطريقة المثلى الواجب اتباعها في حماية والاعتناء بفضاء مواقعنا التاريخية ببهجة الجنوب، في الوقت الذي فضلت فيه المصالح البلدية، تحويل الحديقة القديمة إلى مطرح لتجميع الأتربة والنفايات، مع إزالة الملعب الخاص بأبناء الحي، وتحويله إلى محطة لوقوف السيارات والدراجات، ما رفع من حدة التلوث بفضاء الحي، الذي يتوسطه ضريح مولاي علي الشريف، حيث يتم توجيه الزيارات الرسمية التي تروم زيارته للمرور عبر باب أغمات، لإبعاد الأنظار عن واقع الإهمال والتهميش الذي يظهر بمظهر الحي وبفضاءاته عبر باب أيلان، وهو ما جعل بعض الظرفاء من أبناء الحي، يعلنون عن استعدادهم لترشيح المواطن الأمريكي خلال الانتخابات الجماعية المقبلة، لتمثيل حيهم، بدل الكائنات الانتخابية التي ما انفكت تجيش الأصوات، وتوزع وعودا عرقوبية، سرعان ما يدريها النسيان.