AHDATH.INFO - خاص "كيف لبلد لا يحترم حقوق الإنسان، ويموت مواطنوه في الفيضانات، وتمنع فيه تظاهرات ينظمها المجتمع المدني ويتابع فيه الصحافيون أن ينظم منتدى عاليا لحقوق الإنسان؟". كان هذا جوهر الانتقادات التي وجهت، من داخل المغرب، لاستقبال المغرب للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان في دورته الثانية. السؤال الأول هو: هل يعني هذا الانتقاد أن البلدان التي حققت كل المطالب الحقوقية، وحدها يمكن أن تستقبل منتدى لحقوق الإنسان؟ ألا يتعلق الأمر أساسا بمسار يبدأ ويتطور ولا ينتهي أبدا؟ أي أنه، بالأصل، ليس هناك بلد في العالم يستطيع أن يقول بأن ليس لديه أي إشكاليات حقوقية تعترضه. ثم، هل يعني الكلام أعلاه أنه ليس من حق بلدان بدأت مساراتها وما تزال أمامها العديد من التحديات الحقوقية والديمقراطية (كالمغرب وكالبرازيل التي استقبلت الدورة الأولى) أن تساهم في هذه النقاشات العالمية حول مفاهيم حقوق الإنسان وتطوراتها وتحدياتها الجديدة؟ العالم اليوم يناقش أطروحات جديدة ومهمة ومصيرية كإلغاء عقوية الإعدام والحق في بيئة سليمة وفي التنمية المستدامة وحرية المعتقد وحقوق الأقليات وغيرها؛ وهذه الأمور ليست حكرا على بلدان الشمال لأن الجميع معني بها. لأن حقوق الإنسان لا يمكن أن تتجزأ. لأنها كونية وشاملة. طبعا، قد نتفق جميعا على أن المغرب مازال يعاني من تأخير على عدة مستويات في بناء ديمقراطية حقيقية وفي احترام منظومة حقوق الإنسان بأجيالها الثلاث. لكن الأمر يتعلق بمسار. مسار قطعنا منه أشواطا وما تزال أمامنا أشواط أخرى مهمة. قد يكون نوعا من الحيف وجلد الذات أن لا نعترف بكل الصدق الممكن بأن هناك أشياء أُنجِزت في هذا البلد. لماذا علينا أن نعتقد أنك، لكي تكون ذا مصداقية، يجب أن تعتبر أن لا شيء تحقق في هذا البلد وأن كل ما يبدر من مبادرات رسمية هو سيئ بالضرورة؟ إنه استبداد جديد يدعي أنه يحارب الاستبداد بينما يمارس بدوره إرهابا فكريا حقيقيا على كل من خالفه الرأي. يكفي أن تقول بأن بصيص أمل يتراءى في الأفق أو أن تُثمن مبادرة ما، لكي تنزل عليك الاتهامات بأنك عدو للديمقراطية مناهض للاستبداد. وهل من يحطم كل المبادرات ويرفض كل إمكانيات المساهمة في البناء والتغيير، هو الصديق الحقيقي للديمقراطية؟ أليست التطرفات بكل أشكالها، هي العدو الحقيقي للديمقراطية؟ أليست سياسة التخوين والاتهام المنهجي، لا تختلف في منهجيتها وأسلوبها عن الأساليب الاستبدادية التي يندد بها هؤلاء المخونون أنفسهم؟ من يعطي الحق لهؤلاء لكي يوزعوا صكوك "تماخزانيت" و"الديمقراطية" حسب معاييرهم الخاصة؟ حين يطالب البعض بالإجماع حول قضية ما، فهم في النهاية ليسوا أقل استبدادا مما وممن ينتقدونهم. لا يعطونك حقك في تعبير مختلف عن وجهة نظر مختلفة. لأنهم وحدهم يملكون مصداقية الديمقراطيين. الديمقراطية الحقيقية أعزائي هي أن تكون لدينا القدرة على التدبير السلمي لاختلافاتنا. هذا هو امتحان الديمقراطية الحقيقي. أن نناقش اختلافاتنا وتعارضَ مواقفنا، بهدوء، برزانة، بعقلانية، بحرية وبقدرة حقيقية على الاستماع للآخر والاستفادة من اختلافه معنا ومما قد يحمله لنا هذا الاختلاف من غنى. لذلك فقد كان المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش تجربة جميلة في الاختلاف، في التعارض، في النقاش حول قضايا حقوق الإنسان في العالم. وجميل جدا أن يكون المغرب قد ساهم في احتضان هذا النقاش.