حينما يمضي في استرجاع ذكريات علاقاته مع كبار الفن السابع عبر العالم، يبدو مثل بركان لا ينطفئ. سينمائيون، منتجون، ممثلون وتقنيون من نخبة صناعة السينما العالمية صادفهم عبدو عشوبة خلال مساره الفريد، ويستعيد عبورهم بطراوة ودقة عجيبين. هو نفسه الأستاذ بجامعة السوربون، الصحافي، الناقد السينمائي، مؤسس مجلة "السينما العربية" بباريس، المخرج الموهوب والمنتج الدولي الذي بات أول مغربي وعربي يدير، بالاشتراك مع دانييل تادي واحدا من كبريات المراكز السينمائية والتلفزيونية بأوروبا. إنه استوديو دي باولي بروما، ذو الصيت الأسطوري. يقف عشوبة على سقف العالم انطلاقا من روما حيث طرق المجد تنبسط للمواهب اللامعة والجديرة بالنجاح. حينما يشرع في تعداد مشاريعه المنجزة بالمغرب أو التي يعتزم انجازها، لا يسع المرء الا الاعتداد برجل من هذه الطينة، فخور بأصوله، بمغربيته، بثقافته وبالصورة الحديثة لبلاده. تجربة غنية ومهنية معترف بها تتناغم مع شخصية كتومة في عالم الأضواء والنجومية. في نهاية هذا العام، أضاف صاحب "تغنجة" لرصيده الدولي الرفيع انجازا أوروبيا كشريك مساهم في ثاني أكبر استوديو ايطالي، الشهير باسم دي باولي، والذي بات يحمل اسم "استوديو". هي معلمة سينمائية تستحق نظرة على تاريخها العريق. فقد رأت النور في الحي التاريخي تيبورتينا عام 1942 بمبادرة من رجل الصناعة الايطالي أنجيلو دي باولي والمهندس المعماري أنتونيو فالينتي. مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، تأسست سنة 1947 شركة دي باولي للصناعة السينمائية بروما. جدران المبنى تخلد الى الأبد روائع أنتونيوني وفليني وبازوليني وغودار وفاجدا وغيرهم. عام 1969، أتى حريق هائل على استوديو 5، الأكبر من نوعه في أوروبا. وتلت ذلك سنوات عجاف رغم تصوير فيلم "سينما باراديزو الجديدة" لغويسيبي تورناتوري، الذي حاز أوسكار أفضل فيلم أجنبي. ومنذئذ وحتى نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ظل استوديو دي باولي عبارة عن سفينة جانحة ومفلسة مهددة بالنسيان، الى أن تقدم لرفع التحدي رجل الصناعة الشاب دانييل تادي، ابن حي تيبورتينا، الغيور على تراث الشركة وذو الرؤية البعيدة بوصفه الفتى الذهبي للاعلام الجديد في زمن الانترنيت والرقميات. عام 1997، حصل تادي من المحكمة الادارية على حقوق طويلة الأجل مقابل أورو رمزي. هكذا ولدت الشركة الجديدة "استوديو" من رحم ارادة رجلين مسكونين بروح المبادرة والانجاز. في 2004، كان عشوبة قد انفصل للتو عن الممثلة الايطالية جيوليانا دي سيو وأنهى بنجاح كبير ملحمة "الانجيل" (عشر سنوات من التصوير بورزازات).
فتح تادي أبواب الاستوديو أمام السينمائيين الشباب الايطاليين، لانجاز أحلامهم. كان من بينهم حامل الأوسكار غويسيبي تورناتوري الذي أخرج ثاني أفلامه "مالينا" مع النجمة مونيكا بيلوتشي. تم تصوير المشاهد الداخلية للفيلم بالاستوديو في روما، والباقي بالجديدة والصويرة. كمنتج شريك، أنقد عشوبة فيلم "مالينا" من افلاس محقق. اليوم، يعرف كل من تادي وعشوبة ما يمثل كل منهما للآخر. رابط قوي يجمعهما من أجل مصير مشترك. في عام 2012، ها هو عشوبة ينهي بروما مرحلة ما بعد الانتاج لفيلم "الرجل الصغير" لجياني أميليو الذي يستلهم نصا لألبيرت كامي. الفيلم صور بالكامل في الجزائر وحصل على الجائزة الكبرى لمهرجان تورونتو بكندا. وتم عرضه في مهرجان الموسيقى الروحية بفاس عام 2013، وحظي باشادة خاصة من لدن الصحافة الدولية. اليوم، يواصل عبدو عشوبة رفع التحدي، من خلال استقطاب الرساميل الكبرى لضخها في مشروعه المشترك مع تادي "استوديو". يعمل على اقناع المستثمرين (خصوصا العرب) بجدوى الاستثمار في قطاعات الثقافة والفنون، مسلحا بخبرة عركتها السنون والتجارب، وبثقة لا تهتز في المستقبل الذي ينظر اليه من روما... من فوق سقف العالم.