إذا لم نفعل شيئا سيواصل الغربيون في التدفق على داعش وسيدفع المدنيون الشرقيون والغربيون الثمن من حياتهم. بقلم: احمد الشرعي – ناشيونال انتريست – الملايين من العرب في كل من سورياوالعراق يعانون تحت ظل حكم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش». يمكن للتنظيم الإرهابي تعذيب امرأة أمام العموم لسبب بسيط للغاية وهو ظهور خصلة من شعرها بالصدفة، وقطع أصابع رجل عجوز لأنه يدخن، ووضع علامات على منازل المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى، حتى يتمكنوا من تحديد أماكنهم وتصفيتهم فيما بعد. ليس هناك جريمة صغيرة في نظرهم لكي لا يعاقب مرتكبها بشدة. وكمثال، فمجرد النطق بكلمة «داعش»، وهي كلمة ترفضها المنظمة الإرهابية الملقبة "الدولة الإسلامية في العراق والشام»، تعتبر جريم. الواقع في سورياوالعراق قاس جدا، وهو ما يظهر جليا في الفضاء الإلكتروني، ويعتبره العديد من الغربيين غريبا. في الواقع، فازت داعش بمئات الآلاف من الأتباع والمعجبين على تويتر وفايسبوك. في هذه المواقع الاجتماعية تعرض المنظمة الإرهابية وجهات نظرها وأفكارها التي تعود إلى حقبة القرن السابع الميلادي. واليوم يتواجد الجهاديون، من خلال هذه الحملات الإعلامية، في جميع أنحاء العالم، وتدعو في تغريدات أخرى مجندين جدد بلغاتهم الأصلية للالتحاق بالتنظيم. كما أن نشر لقطات تظهر رجال ملثمين في محاولة لقطع رؤوس الرهائن الغربيين على موقع يوتيوب، يعطي انطباعا أنها جماعة خارج القانون تثير فضول الشباب في أوروبا وأمريكا. كل هذه الأشياء السالفة الذكر تعمل. وكدليل على ذلك، هجرة المئات من البريطانيين والفرنسيين إلى المغامرة، تاركين منازله وحياتهم المريحة، في رحلة محفوفة بالمخاطر، إلى سوريا التي تمزقها الحرب حيث قتل ما يفوق 200 ألف مدنيين وشرد الملايين منذ سنة 2011. كيف يمكن لمجتمع يتمتع بحرية كبيرة أن ينساق وراء حملة الإلكترونية بهذه الأعداد الكبير؟ جزء من الإجابة عل السؤال يكمن وراء وسائل الإعلام الاجتماعية. يتعين اليوم على الحكومات إجراء حملات إعلامية للحد من انضمام الغربيين لتنظيم داعش، أولا، ويجب على أجهزة الشرطة والمخابرات تعقب أولئك الذين يصرون على الانضمام إليها. السياسة الاجتماعية هي أيضا جزء من الحل. دراسات أجريت على الوضعية الاجتماعية للأوروبيين والأمريكيين الذين استجابوا بكثرة لنداء تنظيم داعش الإرهابي، مكنت من العثور على العديد من العوامل التي جعلت لديهم قابلية لهذا الاختيار الغريب. إنهم جميعا يائسون، في مجتمع أزال جزءا كبيرا من مسؤولياته على الشباب منذ سن ولوجهم المدارس والكليات. العديد من المجندين الغربيين في هذا التنظيم يتحدثون عن الرغبة في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وتطبيق اختيارهم. في وقت تفيد الدراسات أن هناك طرف آخر يميل إلى الإيديولوجيات الراديكالية. خطورة هذه الإيديولوجيات الراديكالية، التي تعارض بشكل مباشر كل قيم المجتمع الليبرالي الذي يعطي للفرد حق أن يفعل ما يشاء شريطة أن لا يؤذي الآخرين، هي جزء من جذب المجندين. ويقول آخرون أن وضعهم كمهاجرين يعطيهم انطباعا بأنهم ليسوا في البلدان الإسلامية حيث ولد آباءهم، وسيتيح لهم تنظيم داعش الإرهابي الخروج من هذا الموقف غير مريح، كأنهم بين ضفتي نهر. وهنا يأتي دور بعض الأئمة الراديكاليين الذين يحضرون نفسيات هؤلاء الشباب لما يسمونه جهادا. إذن فالإجابة على هذه الأسئلة التي طرحناها يتطلب تدخلات ثقافية وسياسية واجتماعية والتنسيق المستمر بين الحكومة والمؤسسات الدينية والقيادات الوطنية في مجال الصحة العقلية. لكن الجزء الأكبر من الحل لمشكل وسائل الإعلام الاجتماعي «المعادي للمجتمع» لا يوجد على أرض الميدان، ولكن في الفضاء الإلكتروني نفسه، حيث يجب اختراع أسلح جديد لهذه الحرب. فالمفاهيم التقليدية للردع لم تعد لها النجاعة المثلى في حملة مكافحة استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية من قبل الجماعات إرهابية. في المقابل، يبدو أن أجهزة الاستخبارات الغربية وجدت حلا، وهو استخدام تقنيات القرصنة المتطورة لإجبار المسلحين الداعشيين لدفع ثمن باهظ لاستخدام تويتر لأغراض إرهابية. إذ أن العديد من التغريدات المتبجح والمقالات التي تنشرها داعش قدمت معلومات قيمة للحكومات الغربية في حرب مع التنظيم الإرهابي، بما في ذلك مواقع الأهداف العسكرية الخفية. لكن الكثير من هذه القدرات يتجاهلها المجندين الداعشيين. دارين كيندلند، مدير مركز الأبحاث في التهديدات في فايرآي، وهي شركة أمن معلوماتية أمريكية، يلاحظ أن "المعلومات المتوفرة من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية قد تحتوي على معلومات عن هوية المؤلف، وعن موعد إنشاء المحتوى والتعديل، ويمكن أن تكشف عن معلومات حول موقعه". داعش أدركت أخيرا أن الأنترنت سيف ذو حدين. التنظيم يحذر اليوم أتباعه من كمية الوثائق والملفات التي ينشرونها من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، والتي يمكن أن تعرض أهدافه للخطرة. لدرجة أن بعض المنتمين لداعش في وسائل الإعلام الاجتماعية أصبحوا يخافون من استخدام هذه الشبكات، بعد أن كان يبدو أنها سلاح قوي بين أيديهم، فجمع المعلومات من وسائل الاعلام الاجتماعية هو في الواقع شكل من أشكال الردع. الوضع يتطلب حملة شرسة داخل وسائل الإعلام الاجتماعية، بأشرطة الفيديو والتغريدات وغيرها من الوسائل، لفضح النفاق الإيديولوجي وكيف ينزلق داعش في تطبيق واستخدام التعاليم الإسلامية الحقة. وهذا سيشجع على استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية في إعادة تأطير نقاش أوسع حول الإسلام والجهاد. الولاياتالمتحدة لديها قدرات تكنولوجية جديدة لتحليل مئات الملايين من الرسائل المتداولة على وسائل الإعلام الاجتماعية بين الجهاديين منذ سنة 2001، حسب شهادة الدكتور دافنا هوشمان راند، عضو مركز الأمن الأميركي الجديد، أمام الكونغرس. مثل هذا التحليل تسمح للولايات المتحدة وحلفائها من فهم أفضل لتدفق الأفكار ورسم النجاحات والإخفاقات والقصص المتضاربة حول الدين والعنف السياسي على الأنترنت. بعد تحليل هذه المعلومات سيتم تنظيم حملة مبتكرة جديدة تجمع بين القيادات الدينية المعتدلة والفنانين والكتاب والموسيقيين... سيضطر الكل إلى العمل معا لبناء فكر جديد حول دور الإسلام في مستقبل سورياوالعراق والمنطقة العربية بشكل عام. وفي وقت سينشر التنظيم الإرهابي الدموي مجازره، سينشر خصومهم تغريدات تحث على فضائل المجتمع المدني والحوار المتحضر. وعند نشر فيديوهات قطع رؤوس الأبرياء، فإن خصومه سيستخدمون الفن لرسم حياة جديدة ونشر التعاليم الدينية الحقيقية للإسلام التي أتى بها النبي الحبيب. وعند نشر داعش للكراهية لغير المسلمين، سيختلف معهم المسلمون، وسيتثبتون بأن التعايش السلمي هو الحل الوحيد للأزمة في العالم العربي اليوم. سنغافورة تقدم نموذجا مقنعا يتماشا مع هذا الطرح. عندما شهدت هذه الدولة المدنية انتشار المتطرفين دينيا، أدركت أجهزة مخابراتها أنها لا يمكن ان تردع الظاهرة بالقوة، وبدلا من ذلك، أطلقت حملة إعلامية لإدانة الاتجاهات المتطرفة للجماعات الإرهابية التي تعارض التعاليم الحقيقية للإسلام المعتدل، وكشفت أنهم مرتبطين بالجماعات المتطرفة والدول الدكتاتورية. ودعت الناس إلى أن يكونوا مواطنين صالحين وتجنب العنف الذي ليس هو الحل. واكتفت بالهجوم المباشر على الإيديولوجية الإسلامية الراديكالية من خلال فضح تناقضاته والعيوب الداخلية. نماذج أخرى تأتي من العالم العربي، بما في ذلك ما يسمى ب"مناظرات السجن" في مصر، حيث يجري الراديكاليين السابقين مناقشة مفتوحة مع الإرهابيين النشطين. أو المناظرات التلفزيونية في تونس بين الجهاديين وعلماء الدين المعتدلين، وتبين أن الراديكاليين يفقدون هذه المعارك. فلماذا لا تنظم مثل هذه المناقشات على الأنترنت؟ إذا لم نفعل شيئا، سيواصل الغربيون في التدفق على داعش، وسيدفع المدنيون الشرقيون والغربيون الثمن من حياتهم. رابط المقال: http://nationalinterest.org/blog/the-buzz/the-isis-challenge-online-when-twitter-becomes-anti-social-11681