كانت الساعة تشير إلى 11 والنصف بتوقيت القاهرة الذي يزيد عن توقيت غرينتش بساعتين حين توصلت بمكالمة من الجريدة يسألني فيها الزميل يوسف بصور رئيس القسم الرياضي إن كنت قد وصلت إلى مقر الاتحاد الإفريقي لكرة القدم الذي كان أعضاء المكتب التنفيذي مجتمعين فيه بشكل طارئ من أجل البت النهائي في الطلب الذي تقدمت به وزارة الشباب والرياضة بتأجيل تاريخ تنظيم نهائيات كأس إفريقيا للأمم. أخبرت الزميل يوسف بأنني قد ركبت على التو في تاكسي من حي الزمالك، وبأنني سأتصل به حال وصولي إلى مقر الكاف وطلبت منه أن يترك هاتفه مفتوحا لكي أتصل به في أي لحظة أحصل فيها على خبر جديد. الطريق إلى 6 أكتوبر حارس الأمن الخاص المكلف بفحص بالأمتعة التي يدخلها النازلون في الفندق الذي أقيم فيه قال لي بأن مقر الاتحاد الإفريقي لكرة القدم يوجد بجوار برج القاهرة وبالقرب من مقر النادي الأهلي. يعني أنه يوجد على بعد خمس دقائق على الأكثر بالتاكسي. لكني حين وصلت إلى المكان الذي دلني عليه حارس الأمن اكتشفت أن الأمر يتعلق بمقر الاتحاد المصري لكرة القدم، أما مقر الكاف فهو يوجد في مدينة 6 أكتوبر في ضاحية القاهرة حسب المعلومة الوحيدة التي استطعت أن أحصل عليها من الرجل الكهل الأسمر المكلف بحراسة بوابة مقر الاتحاد المصري الذي بدا أنه غير مستعد لتقديم أي مساعدة أخرى لي غير إفهامي أني لست في العنوان الصحيح. "يمكنك أن تأخذني إلى مقر الاتحاد الإفريقي في 6 أكتوبر؟". سألت سائق تاكسي أوقفته في الشارع. "ما عرفش هو فين. بس حنسأل عليه وحنلقاه بإذن الله. تفضل حضرتك ". أجابني السائق. الوصول إلى المكان المنشود لم يكن هيّنا بالمرة. فقد تطلب الأمر من سائق التاكسي الكهل وأسمر اللون وذي البنية القوية أن يسال أولا حارسي بوابة مقر نادي الجزيرة الرياضي اللذين أوضحا له أن مقر الكاف يوجد في منطقة "المتميز" قرب تمثال الرجل المصنوع من البرونز والذي يلعب الكرة، وعندما وصلنا بعد حوالي أربعين إلى المنطقة التي دلنا عليها الحارسان اضطر السائق أن يسأل مرة أخرى حارسي بوابة نادي مدينة 6 أكتوبر الرياضي اللذين حددا لنا المكان بالضبط. مجرد إشاعات يوجد مقر الكاف في شارع عبد الخالق ثروت بحي المتميز في مدينة 6 أكتوبر. وموقعه لم يكن من الممكن أن تخطئه لا عيني ولا عين سائق التاكسي. فقد كان العشرات من الصحافيين واقفين أمامه وموجهين كاميراتهم نحو بوابته. أما الباب فقد كان موصدا، ولم يكن من الممكن ولوج المقر لأن اجتماع أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي كان مغلقا. سالت شابا صغير السن كان واقفا فوق العشب أمام البوابة يحمل كاميرا وميكروفون قناة "سي بي سي" المصرية إن كانت قد تسربت أخبار من داخل المقر، فقال لي بأنه لا يوجد خبر جديد ما عدا ما تردد يوم أمس (الاثنين) حول الطلب الذي تقدم به وزير الشباب والرياضة المصري خالد عبد العزيز إلى الحكومة المصرية في شأن تنظيم دورة 2015 لكأس إفريقيا للأمم بعد لقائه بعيسى حياتو. والحقيقة أن هذا الخبر هو الذي جعل وسائل الإعلام المصرية ومكاتب القنوات الدولية في القاهرة تتوافد على مقر الاتحاد الإفريقي بكثافة، حيث كلما كان يظهر خيال في جهة الأبواب الزجاجية المؤدية إلى داخل المقر المُحاط بسياج حديدي وبسور وبنباتات شوكية إلا وتوجهت نحوه الكاميرات. "أنا عندي معلومات تفيد أن الحكومة المصرية رفضت استقبال الدورة لأسباب لها علاقة بالاقتصاد والأمن والسياحة". قال لي الصحافي التونسي الشاب فراس العشي الذي يشتغل في مكتب قناة "بي بي سي" العربية بالقاهرة والذي اكتشف بسرعة من لهجتي أنني مغربي، فتفاجأ حين أخبرته أنني أقيم في المغرب وليس في القاهرة، وأخبرني أن هناك صحافيا مغربيا يشتغل معه، وقال لي بأنه يتمنى أن تتجاوب الكاف مع الطلب المغربي بتأجيل كأس إفريقيا لأنه يرغب أن يأتي إلى المغرب لتغطيتها. تفهّم إعلامي للموقف المغربي عندما عرف الصحافيون المحتشدون أمام بوابة المقر بأنني مغربي أولوني اهتماما استثنائيا، وطلب مني بعضهم تصريحات تلفزيونية لفائدة قنواتهم حول الموقف المغربي في هذا الأمر. والحقيقة، أنه لم يكن بإمكاني في موقف من هذا القبيل، أمام كاميرات قنوات أجنبية، أن أتبنى رأيا آخر غير ذاك المصرح به في الموقف الرسمي لحكومة بلدي، مهما كان حجم الاختلاف بيني وبين الطريقة التي دبّر بها المسؤولون المغربة هذا الملف. لذلك، فإن كل تصريحاتي، سواء عندما كنا ننتظر انتهاء اجتماع المكتب التنفيذي للكاف أو بعد إصداره لقرار رفض طلب التأجيل وإقصاء المنتخب المغربي من المشاركة، كانت صريحة وواضحة. "إذا كان أعضاء المكتب التنفيذي يُصرون على أن تقام الكأس في موعدها لأنهم يهتمون بالعقود التي تربطهم مع المُعلنين ومع القنوات التلفزيونية وبكل الأمور التجارية الأخرى التي تندرج ضمن البزنس الرياضي الذي يعود بالربح على هذه المنظمة الكُروية، فإن المغرب يهتم أولا وقبل كل شيء بصحة شعبه وصحة الشعوب الأخرى التي ستتوافد عليه. فما دام فيروس الإيبولا فتاكا ومُعديا حسب منظمة الصحة العالمية وينتشر عن طريق الاحتكاك مع المُصابين به، ومادام المغرب ليس له أي ضمانات من أي جهة على أن هذا الفيروس لن يتسرب إلى أرضه بواسطة الجماهير التي ستأتي من البلدان الإفريقية المُصابة به، فإن العقل والمنطق يقتضي عدم المخاطرة وتأجيل الكأس إلى أن يتم الحد من انتشار هذا الداء. لأن التأجيل ممكن، لكن المخاطرة بحياة الشعوب غير ممكنة بالنسبة إلى الحكومات التي تحترم الشعوب". هذا واحد من التصريحات التي أعطيتها لبعض القنوات، والذي لم يكن يختلف عن باقي التصريحات سوى في الصيغة. والحقيقة أن كل الإعلاميين الذين كانوا محتشدين أمام البوابة تفهموا الموقف المغربي، واعتبروه منطقيا. "المنطق الوحيد الذي يتحكم في مواقف عيسى حياتو وأصحابه هو منطق المال والعقود والالتزامات وما ستحقق هذه الكأس من أرباح. أما أن ينتشر الإيبولا في بلد ما، فهو أمر لا يعنيه". يقول أحد الإعلاميين المصريين. " أول أمس عطس مسافر داخل طائر كانت متجهة إلى الولايات المتحدةالأمريكية، واحمرت عيناه، فحدثت حالة الطوارئ داخل الطائرة وقام الربان بتحويل مسارها في اتجاه المكسيك لفحص حالة الشخص الذي عطس بعيدا عن الأراضي الأمريكية". يقول إعلامي آخر معلقا على كلام الإعلامي الأول. مواجهة حادة مع الأمن في حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال بتوقيت القاهرة فُتح الباب الزجاجي وخرجت منه امرأة عجوز شقراء اللون محمولة على كرسي متحرك. سرت همهمة وسط الصحافيين. "دي الست المترجمة لي بتترجم لعيسى حياتو من العربية للفرنسية ومن الفرنسية للعربية". أوضح واحد من الصحافيين المصريين. إذن فقد انتهى الاجتماع. وهذا يعني أننا ينبغي أن نكون جاهزين لالتقاط الأخبار. وهي مهمة كان واضحا أنها ستكون عسيرة، خصوصا بعدما وصلنا أن عيسى حياتو لم يسمح بعقد أي مؤتمر صحفي بعد نهاية الاجتماع. بعد لحظات بدأ بعض أعضاء المكتب التنفيذي يخرجون من داخل المقر ويتجهون نحو السيارات الخاصة بهم التي كان سائقوهم ينتظرونهم داخلها. ظهر السوداني مجدي شمس الدين فبدأ الصياح عليه من قبل الصحافيين المصريين عبر السور الحديدي. لكنه رفض الحديث وقال بأنه غير مخول من الاتحاد لإعطاء تصريحات، وبأن الناطق الرسمي باسم الاتحاد سيخرج بعد حين. ظهر أيضا المغربي هشام العمراني الكاتب العام للكاف. بدأ يبحلق بعيدا في الصحافيين من بعيد ثم عاد إلى داخل المقر. وظهر أيضا المصري هاني أبو ريدة عضو الكاف. فكثر الصراخ من خلف السور. هاني. هاني. الأخبار إيه؟. مين لي حينظمها؟ لكن لا من مجيب. بعد لحظات فتح رجال الأمن الباب الرئيسي وطلبوا من الصحافيين الابتعاد. لكن الصحافيين أصروا على الوقوف وعدم السماح لأي سيارة بالخروج قبل أن يعرفوا ماذا تقرر. حينها قام شرطي يرتدي بذلة مدنية بدفع صحافي مصري. وهنا ثارت ثائرة الصحافي الذي تم دفعه وأسمع الشرطي ما لم يكن يتوقعه وكادت المواجهة ستتحول إلى عراك جسدي لو لم يتدخل الحراس ويُبعدوا الشرطي الذي بدا في موقف ضعف شديد. سيارة عيسى حياتو خرجت هي الأولى. وبعدها ظهر الناطق الرسمي باسم الكاف. خلاصات الاجتماع من خلف السور، وعبر الشباك الحديدي، وزع الناطق الرسمي للكاف بلاغا بالفرنسية وآخر بالإنجليزية يوضح ما تقرر في الاجتماع، وقال للصحافيين الذين كانوا يمدون له ميكروفوناتهم بأن كل ما يرعبون في معرفته هو موجود في البلاغ. البلاغ يشيرإلى أن أعضاء المكتب التنفيذي للكاف اتفقوا في اجتماعهم على أن يتم تنظيم نهائيات كأس إفريقيا لسنة 2015 في موعدها، وقرروا إقصاء المغرب من المشاركة في هذه النهائيات ، وأن الدورتين الخامسة والسادسة من إقصائيات كأس إفريقيا ستجريان أيام 14 و15 ز19 من الشهر الجاري من أجل تحديد الفرق 15 التي ستشارك في النهائيات . كما أشار البلاغ إلى أن "الكاف" توصل بطلبات من بعض البلدان الإفريقية لاستضافة النهائيات، وأن هذه الطلبات هي قيد الدرس، وسيتم الإعلان عن البلد المضيف عما قريب، وأن اللجنة التنظيمية لكأس إفريقيا للأمم ستنظر لاحقا في شأن الإجراءات التي سيتم اتخاذها في حق المغرب نتيجة عدم احترام الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بنود الاتفاق الذي كانت قد وقعته مع الكاف في أبريل