أنا من جيل تربى على سماع "العيون عينيا والساقية الحمرا ليا". أنا من جيل أطربته بالفعل "نداء الحسن"، وردد معها، بشعور أو بدونه، الكلمات "صوت الحسن ينادي بلسانك ياصحرا، فرحي يا أرض بلادي أرضك صبحت حرة". أنا من جيل راقه كثيرا عبد الهادي بلخايط وهو يصيح بصوته الرخيم، قبل أن يقرر إسكاته بنفسه وقتل النبرات "ياعيد الصحرا ياعيد". أنا من جيل غنى مع عبد المنعم الجامعي "ملكنا نطق وبصوت الحق قال الصحرا مغربية وستبقى مغربية وهدا مصيرها للأبد". أنا من جيل ترنم مرارا وتكرارا بأغاني الوطن، وأغاني الملك، وأغاني البلاد. لم تكن لدي وأنا صغيرة قدرة على التمييز بين الملك وبين الوطن. الحسن الثاني كان عنوان الوطن بالنسبة لنا. بعد ذلك وحين سنكبر سنكتشف أمورا أخرى لم نكن نعرفها. فهمنا أن المسألة لم تكن بتلك الوردية، وأن عديد الأمور كان يلزمها صراخ وقتل وموتى وسنوات رصاص ومعذبون في الأرض ومعلقون في الزنازن من أجل التغيير. تصالحت مع الماضي الخاص بي، ووضعت تلك الأغاني في بروازها الخاص بها وانتهيت منها، لكنها ظلت في ركن خفي مني تتردد لوحدها دون أن أشعر. أستعيدها بين الفينة والأخرى وأقول إن فيها قدرا غير سهل من الإبداع ،أمضي. لذلك كانت لدي القدرة على الاستماع للملحمة، دون أن أحملها مالاطاقة لها به. موقفي واضح للغاية وهو ينبني على احتمالين: إما أن هذه الملحمة ككل مبادرة شخصية من العنزي ومن معه، وفي هاته الحالة وجبت مساءلتها فنيا فقط، لا سياسيا ولا هم يحزنون. نقول لمن شاركوا فيها أصبتم في المقطع الفلاني وأخطأتم في الكوبليه العلاني. هنا السلم الموسيقي كان منحدرا وهنا الصولفيج صعد إلى أن التقى بالبيانو فخلق لكم هذه المتميزات. وبس. الاحتمال الثاني أن تكون جهة ما هي التي أمرت بإنجاز هذه الملحمة وبسرعة، وهنا وجبت قراءة هذا الاحتمال قراءة سياسية لا فنية ولا هم يحزنون بالقول إن "زمن الملاحم قد مضى وانقضى والمغاربة لم يعودوا قادرين على تحمل الأمور بهذا الشأن وصافي". لا احتمال ثالث في الموضوع، و"بهلان" الفيسبوك وسباب القوم والكلمات الرنانة الطنانة لا معنى له على الإطلاق. هو فقط يعيد تذكيرنا أننا أنجبنا في هذا البلد جيلا لايستطيع أن يناقش. يتقن السباب، نعم. يبرع في الشتم. أوكي. يتفنن في التشويه، ممكن. يتألق في "معيور الحمامات"، سهل جدا. لكن يناقش؟؟؟؟ نو واي، غير ممكن بالنسبة له. أعلى مايستطيع ركوبه من خيل هو أن "يتمشخر" قليلا على الوقت وهي "تتمشخر" منه ويمضي. تبقى مسألة أخرى لامفر منها ولابد من قولها تتعلق بالبديل المنتج من طرف من ينتقدون. إذا كان البديل للرداءة السيطرة اليوم في الموسيقى هي ضرب المغاربة بصراخ شاب يغني عن "فاميلته في عكاشة"، فالأمر فيه نظر. نفضل الاحتفاظ برداءة الوقت على الرداءة القادمة على أجنحة كثير من الفضول والتطاول، و"مانعرف عاوتاني". في انتظار ذلك أعجبني كثيرا عبد الفتاح الكريني في الملحمة. ربما لأنه غير تسريحة شعره وبدا أوسم. ربما…