هي حكاية رجل أعماه الطمع والرغبة في الوصول إلى الثروة السهلة، وقاده إلى بتر ذراع طفل بريء بتحريض من أحد «لفقها» الذي أكد له أن الوصول إلى الكنز لن يكون إلا عن طريق التودد إلى حراسه من الجن بدماء طفل «زوهري»، ليدفع سنوات من عمره خلف قضبان السجن ضريبة لجشعه. منذ أن بدأت الأخبار تتناسل حول وجود خزينة مدفونة في إحدى الأراضي بالقرية التي يقطن بها، قرر عبد الله (إسم مستعار) أن يسلك أي طريق يقوده إلى الاستحواذ بمفرده على تلك الخزينة، التي ليس من شأنها تحسين أوضاعه المادية فقط، بل جعله ينضم دون تعب وعناء إلى أصحاب الثروة وذوي الأملاك. تفتق ذهن الرجل الخمسيني على فكرة الاستعانة بأحد «لفقها» الذائعي الصيت بإحدى القرى المجاورة، والمشهود له بقدراته الخارقة ومهاراته الاستثنائية في استخراج الكنوز من باطن الأرض. غادر عبد الله بيته في الصباح الباكر، بعد أن تناول وجبة إفطاره، متجها إلى الدوار الذي يقطن به الفقيه، ليطلب مساعدته في تحديد مكان الكنز واستخراجه، مقابل اقتسام محتويات الخرينة التي سيتم العثور عليها بالتساوي بينهما. لم يدم لقاء عبد الله بالفقيه سوى بضع دقائق، لكنها كانت كافية لوضع خطة العمل، وتحديد موعد البدء في تطبيق مراحلها. مرت ببطء شديد على عبد الله الأيام القليلة التي طلب فيها منه «لفقيه» الانتظار ريثما يتمكن من العثور على مكان الكنز من خلال استحضار الجن والاستعانة بهم في تحديد النقطة التي تضم الخزينة، قبل البدء بعملية الحفر. حالة من السعادة انتابت عبد الله بعد أن تلقى من «لفقيه» خبر تحديد مكان الكنز، ليتوجه تحت جنح الظلام إلى مكان الكنز المفترض حاملا «الفأس والعتلة» ومِعولا للحفر، حيث سيجد في انتظاره «لفقيه» رفقة إثنين من رجاله بمقربة من الشجرة التي أخبره بأن الكنز مدفون أسفلها منذ عشرات السنين، ومحروس من طرف أربعة من الجن. مدفوعا برغبته في امتلاك الكنز في أسرع وقت ممكن، قرر عبد الله أن يشرع في عملية الحفر، لكنه سيفاجأ برفض «لفقيه» ومساعديه، الذين طالبوه بتأجيل عملية الحفر والتريث إلى حين معرفة طلبات حراس الكنز، بحيث سيقوم «لفقيه» بإخراج «مجمر صغير»، وإضرام النار فيه كي يحرق بداخله المواد التي سيبخر بها المكان، قبل أن يبدأ الرجال الثلاثة في ترديد بعض الكلمات غير المفهومة دون انقطاع. توقفت العملية التي استغرقت قرابة الساعة، وتقدم «لفقيه» نحو عبد الله وأخبره بأن حراس الكنز من الجن متعطشون إلى دم طفل «زوهري» يسيل من ذراعه الأيسر، وأن ذلك هو الشرط الوحيد كي تنفتح الأرض وتصعد الخزينة التي تبلغ قيمتها الملايين. سيطر الطمع على كل حواس عبد الله، وجعله يبحث كالأعمى عن طفل يحمل مواصفات «الزوهري» المتمثلة في خط متصل يقطع راحة يده بشكل عرضي، إلى أن تمكن من العثور عليه. لم يجد عبد الله صعوبة في استدراج «الزوهرى» الذي لا يتجاوز عمره الخمس سنوات، فقطعة واحدة من الحلوى كانت كافية للتقرب منه والتودد إليه قبل اختطافه، خاصة أن الطفل يعرف عبد الله لأنه يقطن في نفس القرية التي يعيش فيها. تحت جنح الظلام، عاد «لفقيه» ومساعداه للمارسة طقوسهم الغريبة، لكن سينضاف إليها في هاته المرة الدم الذي سيسيل من ذراع الطفل «الزوهري» ويبلل الأرض التي دفن في باطنها الكنز، جراء الجروح التي سيحدثها «لفقيه» مستعملا سكينا حادا، ليشرع عبد الله بعد ذلك في عملية الحفر بمساعدة رجلي «لفقيه». أحدث الرجال في تلك الليلة حفرة تجاوز عمقها المترين لكنهم لم يتمكنوا من العثور على الخزينة، لتتعالى بعدها الأصوات بين مؤيد للاستمرار في عملية الحفر ورافض له، في الوقت الذي كان فيه الطفل فاقدا للوعي من الصدمة التي خلفها الجرح ورؤيته لمنظر الدم. طالب «لفقيه» من عبد الله ومساعديه التوقف عن الحفر بعد أن بزغت خيوط الفجر الأولى، على أن يتم استئناف تلك العملية في الليلة الموالية، قبل أن يطلب من عبد الله اصطحاب الطفل معه إلى منزله ليقضي اليوم هناك في انتظار حلول الليل، لكن عبد الله رفض ذلك خوفا من أن ينكشف أمره أمام سكان القرية، ليتولى «لفقيه» مهمة إخفاء الطفل عن الأنظار. عاد عبد الله منهكا إلى منزله، بسبب المجهود الكبير الذي بذله طوال الليل في الحفر، ليخلد إلى النوم، لكنه سرعان ما سيتيقظ على صوت أشخاص يقرعون الباب بشدة، ليستبد الخوف والقلق به في تلك اللحظة من أن تكون الشرطة قد اكتشفت أمر اختطافه للطفل. فتح عبد الله بعد أن تردد طويلا باب بيته ليجد أمامه عددا من أفراد أسرة الطفل المختطَف، الذين لم يمهلوه فرصة الاستفسار عن سبب الزيارة غير المتوقعة وحاصروه بأسئلتهم حول المكان الذي يحتجز فيه ابنهم، في اقتناع تام بكونه من قام باختطافه، لأنه كان آخر شخص شوهد مع الطفل قبل اختفائه. لن يعترف عبد الله بأفعاله إلا بعد أن ينال نصيبه من الضرب على يد كل فرد من الأسرة الغاضبة، ليخبرهم عن سبب قيامه بتلك الجريمة في حق طفل في سن أحفاده يجدر به حمايته بدلا من إيذائه، ويدلهم على مكان لفقيه الذي يحتجز الطفل «الزوهري». توجه أفراد أسرة الطفل إلى منزل «لفقيه»، الذي لم يجد أمامه فرصة للإنكار في وجود شريكه عبد الله، ليتم اقتياد الباحثين عن الكنز إلى رجال الدرك، بينما تم نقل الطفل الذي كان في حالة من التعب وينزف بشدة إلى أحد المستشفيات، حيث سيتبين أن الجرح الغائر الذي أحدثه «لفقيه» سيستدعي بتر ذراعه، وحرمانه بالتالي من عيش حياة طبيعية كباقي الأطفال. دفع عبد الله ضريبة جشعه سنوات من عمره خلف قضبان السجن، عقابا له على الجريمة التي ارتكبها في حق طفل بريء لا ذنب له سوى أنه يمتلك مواصفات «الزوهري»، بعد أن انساق خلف أكاذيب «لفقيه» الذي أدين هو الآخر بتهم احتجاز وتعذيب قاصر وإحداث عاهة مستديمة. شادية وغزو