أعمارهم مختلفة. أغلبهم نساء. يتقاسمون الممر في انتظار تجهيز الغرفة التي ستحتضن قرعة الحج. يبحثون عن فرصة يقتسمها ما يناهز خمسة ملايين ونصف مليون حاج، وفق توقعات وزير الحج السعودي، وهي أعلى نسبة تسجل في تاريخ المملكة . حددت الساعة الحادية عشر صباحا ليوم الأربعاء 10 غشت، كموعد للسحب، بالمشور، بعد أن أعلن سابقا أن العملية ستنطلق يوم 8 إلى غاية 19 غشت. على أن تحدد السلطات المحلية الزمان والمكان المناسب للعملية. لكن البعض حمله الشوق إلى مكان باكرا. وجوه ألفت بعضها، بعد عمليات التسجيل المتكررة، والبعض يفد على المكان للمرة الأولى. أمام عمل موظفي الباشوية، على تجهيز المكان، من خلال إحضار مقاعد من المكاتب المجاورة، وتشغيل المكيف لتلطيف الأجواء، اختار الوافدون تقاسم حكايات رحلة الانتظار الممتدة لسنوات. «أفضل الموت واسمي مدرج ضمن لائحة الانتظار» تقول إحدى السيدات التي تشارك في القرعة للمرة الرابعة، دون أن تفقد الأمل، في شد الرحال نحو الأراضي المقدسة، بصفة حاجة، بعد أن ولجتها أكثر من مرة بصفة معتمرة. إحدى « المحظوظات» وفق توصيف الحاضرات، سبق لها أن حجت منذ ستة عشر سنة، لكنها لم تتوقف عن الحلم بالعودة، شوقا للمكان... استرسالها في الحديث يكشف عن سبب تشبثها ومواظبتها على القرعة، «ذهبت إلى الحج في سن صغير دون أن أفهم وقتها معنى الحج، اليوم بعد تقدمي في السن أصبح إلى المكان مفهوم آخر... هو أيضا فرصة للهرب من مشاكل الأبناء والأحفاد التي لا تنتهي، لقد مللت من مشاهد تتكرر أمامي». مشاهد لخصتها المرأة في سلوك أبنائها الذكور الذين يتقاسمون أعباء الأعمال المنزلية وتربية الأبناء مع زوجاتهم، لم تتقبل المرأة أن يقدم أبناؤها على إرضاع أبنائهم وتغيير حفاظاتهم. زلزال لم تتقبله، فكان الحج آخرعزاء لها. يبددون توترهم، «بطوافهم» على حكايات حول الحج. البعض يتذكر حكايات نساء، وردت أسماؤهن ضمن القرعة لكنهن انتقلن إلى جوار الله، قبل تمكنهن من الالتحاق ببيته. امرأة أخرى كادت تفقد صوابها، بعد الإعلان عن اسمها. «هل تذكرين المرأة الحامل رفقة والدها، حين تمكنت من الذهاب بعد انسحاب أسرة مكونة من ثلاثة أفراد، بعد رفضها التخلي عن فرد من العائلة لحصر العدد في شخصين فقط»، تقول ليلى لرفيقتها التي تعودت رؤيتها للمرة الخامسة بنفس المكان. لتجمع السيدتان بعدها أن المسألة مسألة قدر، وأن الدعوة الحقيقية، هي «الدعوة التي تشق طريقها من السماء إلى الأرض بمشيئة الله» تقول الحاجة، الساعية لتجديد اللقب للمرة الثانية، أمام رفيقتين، كل مكسبهما عمرة. يلج المنتظرون إحدى غرف الباشوية، رفقة قصصهم وأمانيهم. إحداهن اختزلت المسافة، لتتحدث بثقة المجرب عن الأسعار المتفاوتة للرحلة، «من أراد مجاورة الحرم عليه دفع خمسة ملايين، كلما ابتعدت المسافة كلما انخفض الثمن، شخصيا أفضل أحد الفنادق التي تبعد عن الحرم، بمسافة تحاكي الأمتار الفاصلة بين الباشوية والقريعة». جلست ليلى، بدون أمل بعد مشاركتها الخامسة، رفقة زوجها، «لقد ماتت الرغبة الأولى والأحاسيس التي حملتها في المرة الأولى، اليوم أقوم بالأمر بمشاعر متوقفة». زادت حدة التشاؤم بعد الإعلان عن العدد الذي سيتم اختياره. أربعة محظوظين من بين 42 مسجلا، وينتهي الأمر. يجلسون بترقب. أغلبهم شبك يديه. شخصت أبصارهم حيث الصندوق الموعود، الذي سيضم أسماءهم. تم استدعاء امرأة من الحضور لوضع أسماء المشاركين في أظرفة. بعض الأظرفة ضمت اسما واحدا، وبعضها وصل إلى حدود أربعة أسماء، وهو الحد المسموح به. بعد تلاوة قرآنية، طلب من إحدى الحاضرات، دمج الأظرفة الموضوعة في صندوق زجاجي، بطريقة عشوائية، ترسخ لنزاهة سير العملية، التي تمت أطوارها أمام الحضور. أمام صمت وترقب الجالسين، تم سحب أول ظرف من قبل إحدى المشتركات، «الظرف يضم أربعة أشخاص من عائلة واحدة»، تقول بهيجة التي أجهضت حلم البقية. أمام تبريكات خجولة، وفرحة حذرة مراعاة لمشاعر البقية. علت تساؤلات المشاركين حول الطريقة التي يتم بها تحديد العدد. «الأمر يعود إلى الوزارة الوصية نحن ننفد فقط» يقول أحد ممثلي السلطة. لم تعرف هذه العملية أي استثناء، كما هو الحال بالنسبة للمقاطعة 17 بدرب السلطان، حيث تم الإعلان عن ثمانية أسماء، من المسنين الذين تم إعفاؤهم من القرعة، لظروف إنسانية. قد لا تسعفهم الأقدار على الانتظار، في القادم من الأيام. الباقي وهم 29 تم الإعلان عنهم بالقرعة. هناك،امتزجت الفرحة بالدموع، مع الإعلان عن كل اسم، من بين 434. بعضهم سجد شكرا لله، والبعض وضع يده على قلبه تحسبا للمفاجأة. كانت الفرحة بصيغة المفرد، وأحيانا بصيغة المثنى والجمع. سكينة بن زين