في كل مرة يفتح فيها نقاش في البلد نقفله بالسباب والشتم نقاش الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والتمويل الأجنبي كان مرة أخرى فرصة لمعاينة حجم خسائرنا في هذا الميدان. شباب وآخرون أقل شبابا ممن يملؤون الدنيا المغربية ضجيجا وهم يطالبون بالديمقراطية بدوا في هذا النقاش أقرب إلى ديكتاتوريين صغار، يسبون مخالفيهم، يقدمون عنهم ألفاظا ساقطة، يصورون عنهم فيديوهات حاطة من الكرامة الإنسانية، والمشكلة هي أنهم لا يجدون أي تناقض بين مايقترفونه من ردود أفعال غاية في البدائية وبين مايعلنونه من شعارات هل يمكن أن تقفل نقاشا فتح في البلاد بمجرد سب من فتح ذلك النقاش؟ قطعا لا، واليوم، وبغض النظر عن كل ردود الأفعال التي صدرت، وضمنها ردود أفعال غاية في الاحترام وأخرى بالمقابل غاية في الابتذال، لايمكنك أن تمنع المغاربة من طرح سؤال التمويل الأجنبي لجمعيات المجتمع المدني، وهل يؤثر هذا التمويل على استقلالية هذه الهيئات، وهل يتداخل الأمر في النهاية مع المواقف الحقوقية والسياسية لكي يصبح ثمنا مؤدى عن هاته المواقف؟ هذه الأسئلة ضرورية، وهي حيوية، وهي لا تخون جمعية حقوق الإنسان، ولا تتهم أي طرف فيها، بل تسائل علاقة الجمعيات بالمال الوارد عليها من الخارج نعم، قد يكون الأمر مقننا، وقد يكون في علم الأمانة العامة للحكومة، وقد يكون أمورا أخرى قد نكتشفها في اللاحق من الأيام، لكن كل هذا لايمنع فتح الباب أمام النقاش كل هذا عادي. غير العادي بل المصيبة الكبرى هي حين يتحول من يدعون المطالبة بالديمقراطية إلى ديكتاتوريين يسبون مخالفيهم، ومن الممكن غدا أو بعد غد إذا أصبحوا أصحاب سلطة أن يقتلوا هؤلاء المخالفين ما الفرق بين هؤلاء وبين من يفتون بأن من يخالفونهم كفار يستحقون القتل؟ في الحقيقة لا فرق، لذلك لا قدرة على تناول هذا الموضوع بالتحديد بخفة، لأن ثقلا كبيرا ينزل على الذات فيه ويفرض طرح سؤال كبير علينا جميعا: متى أصبح المغربي غير قادر على نقاش، وغير متمكن إلا من تخوين من يخالفونه الرأي؟ متى تسللت إلينا هذه العدوى السيئة التي ترى في أي رأي لايروقنا خيانة وسببا وجيها للسب وإطلاق كل الجوانب الحيوانية فينا؟ متى؟ فعلا متى؟ شخصيا لاجواب لدي، لكن المدرسة الغائبة عن دورها الأساس قد تكون هي صاحبة الجواب الأصح، في انتظار العثور على تفسير أقدر على منح بعض الارتياح زاوية تقترفها : سليمة العلوي