يعد التراث الوطني بمختلف تجلياته المادية واللامادية، الحلقة الرئيسية الرابطة بين ماضي الحضارة المغربية وحاضرها، مما يستدعي المزيد من الاهتمام والعناية أكثر بهذا الموروث الثقافي الثمين. ويشكل هذا الكنز التراثي، الذي تتوفر عليه المملكة والذي يختلف من جهة إلى أخرى، دليلا ساطعا على المهارات والتقنيات التي استعملها المغاربة منذ عصور خلت في تعاملهم مع بيئتهم، والتي حددت ورسمت من خلالها خصوصية كل منطقة على حدة، ومنحت للمملكة ميزتها سواء على المستوى الثقافي أو الفني أو الاقتصادي أو الاجتماعي. وفي هذا الصدد، استطاع المغاربة مراكمة مجموعة من التجارب الحضارية في شتى مناحي الحياة، خاصة في المجال المعماري، حيث يبرز ذلك في الإبداعات والخبرات التي مكنت من بناء الشخصية المغربية في عدة ميادين من بينها الطبخ والنسيج والملابس وفن الحدائق والهندسة المعمارية. وخير مثال على ذلك، قصبة أيت بن حدو الواقعة على بعد حوالي 30 كيلومتر من مدينة ورزازات، التي تتميز بهندسة معمارية فريدة من نوعها، إذ تضم مجموعة من البنايات من الطين المحاطة بالأسوار، وذلك في نسق دقيق، أعطى جمالية لهذه المنطقة التي أصبح يحج اليها يوميا عدد كبير من السياح المغاربة والأجانب لمعاينة هذا التراث القيم عن قرب. وتتخذ قصبة أيت بن حدو، التي يطلق عليها أيضا اسم "قصر أيت بن حدو"، شكل تجمع سكاني ومعماري متراص ومحصن فوق هضبة مرتفعة، اختيرت لأسباب أمنية واقتصادية، قريبة من حوض الوادي (وادي المالح) الذي يمر مجراه بمحاذاتها إلى جانب الأراضي الزراعية المجاورة. وبفضل الشكل الهندسي الأصيل لهذا الموقع المشيد على مساحة تبلغ حوالي 1300 متر مربع ، يشكل هذا التراث، جزءا من الحضارة المغربية الضاربة في عمق التاريخ، الذي صنفته منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" سنة 1987 تراثا عالميا للإنسانية ثم تم إدراجه ضمن لائحة المواقع الأثرية الوطنية. وقد حظي هذا الموقع الأثري بهذا التميز، من قبل هذه المنظمة العالمية، لكونه يعتبر مثالا حيا لمعمار استثنائي ونموذجا بارزا لتجمع سكني بشري تقليدي يبرز مرحلة مهمة في تاريخ هذه الأمة، ومدى تفاعل الإنسان المغربي مع بيئته. ولم يثر هذا الموقع الأثري اهتمام المنظمات الدولية المعنية بهذا المجال فقط، بل كان أيضا محط أنظار عدد كبير من المنتجين والمخرجين للأفلام على الصعيد العالمي، حيث تم تصوير بهذا الموقع العديد من الأفلام، من قبيل لورنس العرب (1962)، والإغواء الأخير للسيد المسيح (1988)، والمومياء (1999)، والمصارع (2000)، والاسكندر (2004). ويعتبر قصر أيت بن حدو، الذي يقع شمال شرقي مدينة ورزازات، واحدا من أهم وأشهر قصبات الجنوب المغربي التي تمتاز برونقها الهندسي الرائع، والتي استطاعت أن تبقى شامخة للعيان وأن تتحدى قساوة الظروف المناخية وعوادي الزمن. وتشكل هذه القصبات والقصور إحدى الخصوصيات التي تتفرد بها هذه الجهة من المملكة، فقد صممت وفق شكل معماري فريد وأقيمت في مواقع متميز توحي للزائر بكونها قلعة محصنة من الاعتداءات الخارجية أو من التقلبات المناخية التي تعرفها المنطقة. ورغم بساطة البناء المعتمد على الطين والحجر، فللمرء أن يلاحظ دقة متناهية وتقنية عالية في استعمال هذه المواد التي تنضاف إليها نقوش وألوان تزيدها رونقا وجمالية، تستأثر بانتباه السائح لها وتجعله يتوقف عندها مليا متأملا لما عرفته هذه المنطقة على الخصوص من ازدهار، خاصة وأنها كانت سابقا محطة عبور للقوافل التجارية. وبالنظر إلى كون هذه المآثر التاريخية تجسد جليا الحنكة والخبرة التي امتاز بها المغاربة على الدوام في مجال الهندسة المعمارية وفي البناء، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه في تعزيز وجهة ورزازات للسياحة الثقافية والبيئية سواء على المستوى الوطني أو الدولي، فقد أصبح من الضروري إيلاء المزيد من العناية والاهتمام وإعادة الاعتبار لهذا التراث حتى يساهم في تحقيق التنمية المنشودة بهذه الجهة.