«حريات مختلسة للنساء الإيرانيات»، صفحة يزيد عمرها الآن عن الشهرين، تم إحداثها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وأضحت ملاذ العديد من الإيرانيات التواقات للانعتاق من الحجاب المفروض عليهن منذ 35سنة الآن بقوة قوانين الثورة الإسلامية في بلادهن. صفحة خلقت الحديث، أو ال«بوز» بلغة مواقع التواصل الاجتماعي . وفيها تنشر نساء إيرانيات صورا لهن بدون حجاب مرفوقة برسالة حرية. ولا يمر يوم دون أن تتوصل الصفحة بصور جديدة. الإيرانيات «المتحررات» من الحجاب، يبدين في الصور مثل سائحات عاديات، يلتقطن صورا لهن أمام مآثر تاريخية أو في أزقة تقليدية وأخرى عادية.. لكنهن في الواقع، يتحدين قانون بلدهن إيران ويلبين نداء الحرية من خلال تلبية نداء مواطنتهن الصحافية ماسيه ألنجاد، التي أطلقت مبادرة صفحة «حريات مختلسة للنساء الإيرانيات». فكيف جاءت فكرة المبادرة؟ ماسيه ألنجاد، صحافية إيرانية تبلغ من العمر 38سنة، تعيش المنفى بالمملكة المتحدة، هي التي أطلقت المبادرة بتاريخ 3 ماي 2014. الصحافية، اتهرت بانتقادها للنظام الإيراني. وبخلقها لهذه الصفحة، وضعت رهن إشارة مواطناتها الإيرانيات وسيلة للتعبير عن رغبة دفينة وملحة في التخلص من الحجاب المفروض. إذ تقوم بنشر بطلب منهن صورا يبعثن بها ويظهرن فيها دون حجاب متحديات الطابوهات والقوانين المانعة في بلدهن إيران. الصور المنشورة على الفيسبوك، وهو ضمن مواقع التواصل الاجتماعية المحظورة في إيران، ستكون عادية لو أن صاحباتها لم تكن إيرانيات تجرأن على خلع الحجاب وخرق المحظورات. وهي المبادرة، التي لقيت الكثير من الإقبال بين الإيرانيات، وأثارت غضب مواطنيهن. على هذه الصفحة، ومنذ إطلاقها، لايمر وقت دون أن تبث إيرانية صورة لها مع تعليق لها يبين نظرتها وعلاقتها بالحجاب. أيضا تفننت المشاركات في الصفحة في التنافس على اختيار الفضاءات التي يلتقطن فيه صورهن وهن دون حجاب. وهكذا، توزعت الفضاءات بين الرمزية و غير الاعتيادية. بالقرب من مآثر تاريخية، في البحر، بالقرب من جمل، في الحقول، في الحدائق العمومية.. أو بداخل مكتب آيات الله الخميني. كل الفضاءات صالحة لاحتواء لحظات الحرية المختلسة للإيرانيات، لتكون حضن ثورة صغيرة. لكن، هذه الثورة الصغيرة، لاينظر الرجال إليها بعين الرضا، بل إن الآلاف منهم خرجوا محتجين في 7 ماي 2014 بطهران ونددوا بتجرأ مواطناتهم على خرق القانون وطالبوا بتشديد المراقبة على تطبيق القوانين المتصلة باللباس. حريتي في إصبهان صفحة «حريات مختلسة للنساء الإيرانيات» على الفيسبوك، تحمل إشارة إلى أن «المبادرة فرضتها انشغالات النساء الإيرانيات اللواتي يواجهن المنع القانوني والاجتماعي الخاص في الكثير من مناحي حياتهن». أما الصور، فهي مرفقة بنص، تكتب فيه كل امرأة لتشرح علاقتها بالحجاب، كتابات فيها بعض النضال، وتعبر عن طموحاتها للمزيد من الحرية. والصفحة، منذ إحداثها وإلى الآن، حصدت ما يزيد عن 330 ألف «لايك». وهي إشارات الإعجاب التي ترتفع باستمرار لتمنح الصفحة النجاح الكبير وتحولها إلى ظاهرة . صور للمطالبة بحق المرأة في الاختيار إيران تعاقب بشدة النساء اللواتي لا يضعن الحجاب أو غطاء الرأس. إذ أن القانون يعاقب كل غير ملتزمة بالحجاب ب60 يوما سجنا و70 جلدة. وهؤلاء النساء، ومن خلال مبادرتهن المناضلة هذه، يحكين تاريخهن وقصصهن وكيف يعشن هذا الحجاب المفروض بقوة التعاليم القانونية ويتعايشن معه في معيشهن اليومي، وأحيانا بقلب بيوتاتهن. شهادات تتناقض كلية مع الكليشيهات وتكشف وجها آخر للنساء الإيرانيات. وكتبت إحدى «الثائرات» في تعليق مصاحب لصورتها :«لست مختلة ولا خطيرة. فأنا لست عاهرة كما أني لست ضد النظام. أحلم بأن أترك شعري حرا طليقا في الهواء. خصلاتي تحلم بأن تتطاير راقصة في الهواء في حديقة عمومية وفي الشارع». وزادت موضحة صعوبة وضع غطاء الرأس وارتداء الحجاب عندما تزيد درجة الحرارة عن 40 درجة مائوية :«لماذا لا تفعل الشيء نفسه أيها الشرطي : جرب أن تضع غطاء الرأس وتقف تحت الشمس لساعتين فقط!». هذا في ما كتبت مشاركة أخرى في الصفحة :«إنها لحظة حرية مختلسة غاية في اللذة خاصة حينما يعمد الأب نفسه إلى توثيقها إلى الأبد من خلال الصورة، على طول ساحل الخليج الفارسي». «الحرية ليست حلما» الصحافية ماسيه ألنجاد، التي كانت وراء إطلاق المبادرة، حرصت، مع ذلك، على أن تشير إلى أنها « لا تتغيى بأي حال من الأحوال تشجيع النساء على التمرد على الحجاب المفروض». بالنسبة لها، الغاية من المبادرة هي «منح إمكانية التعبير لمئات النساء الإيرانيات اللواتي يقلن بعدم توفرهن على فضاء للتعبير». كذلك، تضيف الصحافية ماسيه ألنجاد، أنها لا تعارض الحجاب ولكن تطالب بالحق في الاختيار. وكانت الصحافية أسرت لمجلة «ليزانكوركتيبل» :«أعلم أن العديد من الإيرانيات يخلعن الحجاب حينما يكن في فضاءات حميمية وخاصة. ولما كنت بإيران، كنت أخلع الحجاب حينما أكون في القرية أو في مكان خاص. وتساءلت باستمرار كم من الإيرانيات يفعلن الشيء ذاته ويشعرن بالإحساسات ذاتها التي كانت تنتابني حينها. وقد حصلت على الرد على هذا السؤال : هن عديدات وعددهن أكبر مما توقعته». 35 سنة من الحجاب المفروض تاريخ إيران يتميز بالخصوصية. المجتمع الإيراني، الذي كان ليبراليا إلى حد كبير، تحول بشكل جذري غداة ثورة الخميني الإسلامية سنة 1979. ومنذ الثورة، أضحى الحجاب مفروضا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إذ يفرض القانون على النساء تغطية الرأس والجسد في الفضاء العام، ولا يسمح للإيرانيات بارتداء ملابس لاصقة. ميني بورتريه ماسيه ألنجاد .. إنها من كشفت نساء إيران بتاريخ 3 ماي 2014، نشرت الصحافية الإيرانية المنفية بابريطانيا ماسيه ألنجاد، صورة لها على مواقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، صورة لها وهي تقود سيارتها، وشعرها يتطاير في الهواء مع الريح، فيما وضعت نظارة شمس على عينيها، وكتبت تعليقا عليها:«حرية مختلسة». وفي اليوم ذاته، أطلقت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تدعو فيها الإيرانيات إلى بعث صور خاصة بهن دون حجاب. دعوة، وبشكل فجاءها هي نفسها، حظيت باستجابة قوية لدن الإيرانيات. وهو أمر مفاجئ للغاية بالنظر إلى أن الفيسبوك ضمن مواقع تواصل اجتماعية أخرى ممنوع بشكل رسمي في إيران. وفي ظرف سويعات قليلة من إطلاقها الدعوة الفيسبوكية، حصدت الصفحة أزيد من 6000 «لايك»، ونفس العدد من المشاركات. وإذا تجرأت الإيرانيات على خرق قانون بلدهن المتصل بفرض الحجاب ومعاقبة كل خارقة لها للقانون، فإن الصحافية الشابة وجدت نفسها وبشكل مباشر مهددة في حياتها كما أنها تعرضت لوابل من الشتائم التي تصمها بالفجور والتخابر. وأصبحت في مقالات صحف بلادها : مدمنة وبنت ليل ومتخابرة ضد البلد.. لكنها الأكاذيب المختلقة، مثلما تؤكد ماسيه ألنجاد، التي صرحت في حوار مع قناة «فرانس 24»، أنها ليست المرة الأولى، التي تتعرض فيها للتهديد بالقتل أو للهجوم على شخصها. بل إنها ذهبت حد القول إنها تلقت تهديدا بالاغتصاب على الهواء مباشرة في برنامج تلفزيوني. كما أن مقدما تلفزيونيا متشددا كال لها السباب في حسابها على «غوغل بلوس» حيث كتب قائلا :« تستحق معاملة العاهرات». «هم يرمون إلى الطعن في شرفي فقط. وتشويه سمعتي» ترد ماسيه ألنجاد، قبل أن تضيف موضحة :«في بلد مثل بلدنا، حينما يتم تشويه سمعتك أو الطعن في شرفك، فإن عائلتك كلها تتأذى من ذلك. وهي أساليبهم، التي يستعملونها منذ الآن 30 سنة لترهيب وإخراس الصحافيين والنشطاء المعارضين». الصحافية المنفية، مع ذلك، حرصت على الرد على هذه الادعاءات المشينة في حقها، والتي يرددها الإعلام الإيراني، من خلال بث على اليوتيوب، تسجيلا بالفيديو تظهر فيه داخل ميترو لندن وهي تغني أغنية فارسية، وتحكي عن أصولها وبالأخص عن الأسباب التي دفعت بها إلى مغادرة إيران.