HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    مشروع طريق سريع بين الحسيمة والناظور عبر قاسيطة    تركيا.. عام 2024 كان الأشد حرارة في تاريخ البلاد    ضبط آلاف الأقراص المخدرة في سلا    تزامنا مع شل المستشفيات.. مهنيو الصحة يحتجون بالرباط استنكارا للتماطل ويلوّحون بالتصعيد    المغرب وبلجيكا يوقعان مذكرة تفاهم تشمل تعزيز استقلال السلطة القضائية وتكريس دولة الحق والقانون    إبرام اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس    ماريون مارشال: فرنسا ليست دار حضانة للجزائر    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين.. المغرب في المجموعة الأولى إلى جانب كينيا وأنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا    ميناء طنجة : تراجع مفرغات الصيد البحري بنسبة 31 بالمائة خلال عام 2024    المغرب وبلجيكا يوقعان مذكرة تفاهم بالرباط لتعزيز التعاون في مجال القضاء    إشادة وزراء الثقافة العرب بجهود الملك محمد السادس في دعم القضية الفلسطينية    حماس تثمن اتفاق وقف إطلاق النار    حموشي يستقبل بالرباط المفوض العام للاستعلامات بإسبانيا    تسجيل إصابات ب"بوحمرون" في 15 مدرسة يستنفر مديرية التعليم ويثير الخوف بين الأسر    تساقطات مطرية مرتقبة بالريف والواجهة المتوسطية    في مستوى الفئات العمرية التي تفوق 15 سنة فقط.. 7 ملايين و478 ألف مغربي أمي خلال سنة 2024    كأس إفريقيا للمحليين... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة كينيا وأنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا    العدوي: لم يتم اعتماد أي استراتيجية تخص النجاعة الطاقية واقتصاد الطاقة لم يتجاوز 5,8 في المائة من أصل 20 المائة المطلوبة    خدعوا الشعوب بالكفاءات التكنوقراطية لاستبعاد الأحزاب،،لا أقل ولا أكثر: (؟!!! )    كلمة .. السراغنة: غوانتانامو للمرضى النفسيين    فرق الإطفاء تنجح في إخماد حريق بغابة "أغاندرو" في الحسيمة    موجة برد وتساقطات ثلجية تهم عدة مناطق بالمغرب من الأربعاء إلى السبت    حاملاً رسالة إلى الملك.. مباحثات تجمع وزير خارجية غامبيا وبوريطة بالرباط    قبيل شهر رمضان.. حماية المستهلك تدعو لتخفيض الأسعار ومواجهة الوسطاء    أنغام زورا تانيرت تعيد الحياة لذكريات شهداء زلزال أكادير    تسجيل إصابة 79 نزيلة ونزيلا بداء "بوحمرون".. وسجن طنجة في المقدمة    الرباط .. الصناعات الثقافية والإبداعية وتحديات التحول الرقمي في صلب أشغال الدورة ال24 لمؤتمر وزراء الثقافة العرب    العدوي: يتعين الحفاظ على مجهود الاستثمار العمومي    مصرع امرأة في العرائش بعد اندلاع حريق داخل منزلها    حكيمي يؤكد لأول مرة حقيقة تسجيل أملاكه باسم والدته    الرباط.. مؤتمر حول مكافحة الإرهاب والأمن البحري على طول السواحل الإفريقية الأطلسية    بعد أخبار مصرية حول تأجيل كأس أفريقيا للأمم.. الجامعة الملكية المغربية توضح    انطلاق مهرجان آنيا تحت شعار "الناظور عاصمة الثقافة الامازيغية"    تسجيل نمو ملحوظ في المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا في سنة 2024    العدوي تقدم عرضا أمام مجلسي البرلمان حول أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023/2024    أخنوش يترأس حفل بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2975    الفنان ياسين احجام يروج لشخصية المعتمد بن عباد    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    3 آلاف شرطي يعتقلون رئيس كوريا الجنوبية المعزول    غياب مدرب الجيش الملكي عن مواجهة صن داونز بعد خضوعه لعملية جراحية ناجحة    استثمارات خليجية تنقذ نادي برشلونة من أزمته المالية الكبرى    نادي مولنبيك البلجيكي يتعاقد مع بنجديدة على سبيل الإعارة    فاروق لايف: التغيير بدأ قبل حملة التنمر وسأجعله مصدر إلهام للآخرين    اليوبي: الوضعية الوبائية "عادية" وفيروسات الموسم مألوفة لدى المغاربة    تسجيل 25 إصابة بداء بوحمرون في السجن المحلي طنجة    إيض يناير 2975: الدار البيضاء تحتفي بالتقاليد والموسيقى الأمازيغيين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    للمرة الثانية.. تأجيل إعلان ترشيحات جوائز الأوسكار بسبب حرائق لوس أنجلس    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    أرسنال يفتقد خدمات مهاجمه البرازيلي خيسوس بسبب الاصابة    الاتحاد العام للصحفيين العرب يجدد دعمه للوحدة الترابية ولسيادة المغرب على كامل ترابه    بلقصيري تحتفي بالكتاب الأمازيغي والغرباوي في "آيض يناير"    العيون تحتفل بحلول "إيض إيناير"    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب المسلمون : الإفاقة المتأخرة والتخلف البنيوي
نشر في الأحداث المغربية يوم 03 - 07 - 2014

بل هي إفاقات متأخرات، غير أن الإفاقات إياها سرعان ما تنقلب إلى سبات، وتتحول إلى تثاؤب مزمن. فكأن قدر الأمة العربية والإسلامية، اقتضى ذلك، و"العناية السماوية" ارتأت أن يظل هذا النوع البشري، والصنف الآدمي على ما هو عليه، على ما كان وما يأمل أن يكون : وحيد عصره، وفريد زمانه، هذه الواحدية، وهذه الفرادة تنسحب على عصور متراكبة وممتدة، وتلك الواحدية على طينة بشرية هي "خير" طينة، و"أعطر" أرومة، و"أنقى" سلالة، و"أصفى" عين ونطفة.. النطفة التي تقلبت في الأرحام العربية، أرحام العرب العاربة، العرب الخلص، البيضان من كل سوء، لا العرب المستعربة المفتوحة والمغزوة والملحقة، على رغم صنعها "المجد" العربي في لحظات برقت، ومحطات تطامنت تسيد المسلمون فيها أغلب الأمصار والأقطار والجهات، وهيمنوا على زمنية الأمم الأخرى، وتاريخيتهم. هل كان ممكنا أن يحقق العرب المسلمون ما حققوا لو ظلوا بعيدين عن الاحتكاك بالمجتمعات والشعوب الأخرى؟
هل كان ممكنا أن يفيقوا، ويعوا اشتراطات مغايرة، وظروفا مختلفة، ومناخات ثقافية، وإنجازات حضارية، لو لم "يفتحوا" عنوة أمصارا ومدائن وجهات ودولا وأمما، ذلك أن الرسالة المحمدية توجهت إلى إصلاح الشأن العربي العام، أي إلى تقويم السلوك، وتزكية النفس بالخلق الكريم، وتدبير المعاش اليومي في إطار من الأخوة الدينية، والانسجام العرقي، والتكامل القبائلي، والتضامن الطبقي والتكافؤ النسبي المحسوب والمنسوب على رغم استمرار نظام الرق والعبودية والاستعباد. رسالة الإسلام هي رسالة روحية سمت بالإنسان، ورفعته إلى سُدّة الآدمية، وارتقت به سلم التحاب، والتواد، والتعارف، والتساكن، وضمخته بالقيم العالية، قيم الصدق والإيثار، والتضحية، والتواضع، وغيرها. غير هذا، جاء من حضارات أُخَر، وثقافات مختلفة أغنت الرسالة، وأمدتها بنسغ العلم والمعرفة والفنون والآداب، والفلسفة والطب والحكمة، والفلك، والرياضيات وغيرها. فالإسلام بعد "الفتوحات" و"الغزو" و"الجهاد" و"إعمال السيف"، اكتسى العالمية، وانتضى بيرق التقدم، وصار إلى ما صار إليه بفضل التثاقف والاحتكاك، والترجمة والتعريب، والنقل والغَرْف، وهَلُّم جرّا. تلك إفاقة أولى رسمت تباشير وعلائم الدولة الأولى، الدولة الإسلامية المكتنزة بالأعراق والسلالات واللغات المنصهرة. أقول الدولة الإسلامية لا الدولة الدينية بما هي متكثرة لا متفردة وعربية خالصة قرشية هاشمية وَمَنَافِية فيما يذهب المتربصون والانغلاقيون والمحنطون. إفاقة كان لها شأن وباع بما لا يقاس، قدمت للعالم ما كان به العالم آنئذ: المعرفة، والفن، والاكتشاف، والكتاب، والحضارة المشرقة. غير أنها إفاقة انطمست سريعا – فعدة قرون محسوبات مقيدات، لا يساوين شيئا في عمر الزمان –وانطفأت كأن لم تكن، وغط العالم الموضوع رهن سيادتها التاريخية، غطيطا عميقا ومديدا، ارتفع شخيره، فتصادت له الأنحاء والجهات. غطيط نتج عنه خوارق، ومعجزات، وكرامات فَبْرَكَها الكسل، والخمول، وعلماء التلاخيص والرُّقَع، وصدقها الجميع. تعطل الحس والحدس والعقل، فاستولى السبات، وَرَانَ طائر الموت الأسود أدْهُرًا على سماء البلدان الإسلامية، فيما نهضت أوروبا، وأفاقت، ولازالت ناهضة، ناجزة، تطاول الأزمنة والأمكنة، وتخوض الفتح العلمي تلو الفتح العلمي، لأنها حسمت في أمر الدين الذي كَبَّلَها، وأثقل مشيها زمنا طال واستطال كان من عقابيله أنهار من الدم، والحرق، وسحل "الساحرات" وسمل أعين الأطباء والعلماء، وسحق العقل، والفكر التحرري، وكل نأمة تجديد، ونسمة هواء وتحديث. وقفت أوروبا على الهول والموت الزؤام الذي حصد الملايين من الناس، وأتلف البنيان والعمران. ولم يكن وراء هذا الهول الذي تشيب له الغربان، سوى الدين. فالدين –بهذا المعنى- جرثومة الفتن والتفرقة والعنصرية، والتحقير. إنه –بكلمة واحدة- سبب تأخر العالم المسيحي بأطيافه جميعا: بروتسانت، وكاثوليك، وأرثوذوكس، وآخرين. فالدين – بعبارة أخرى- يتضمن- الإقصاء، إذ أن كل طرف ينفي الطرف الآخر، ويُخَوِّنُه، ويُزَنْدِقُه، ومن ثَمَّ يدعو إلى تصفيته وقتله أو نبذه ونفيه، ضمن صنافة موهومة ومتوهمة وواهمة، يعتقد أصحابها أنهم الحق، وأن عناية السماء معهم، بل تكون انتدبتهم ليتكلموا باسم الله من أجل سحق خلق الله، هكذا، تنصلت أوروبا، ودول أسيوية تَمَسَّحَتْ، من هذه الضرورة، وهذا القسر، فاعتبرت أن الدنيا للناس، وأن الدين لله، ما يعني أن العقل والفكر البشري قمين بإعمار الأرض، وتوطين التشريع ووضع القانون الذي يحمي الناس، ويساوي بينهم المساواة التامة.
تقدمت أمريكا وأوروبا، وكثير من دول آسيا –ولاشك أن الديانة الوضعية في القارة الأسيوية، التي تقوم على السلام. والمحبة والحكمة والغفران، أبعدت شبح التناحر بين هذه الشعوب إذ الأرضي أرضي، يستوي الكل فيه، ولا تفاضل بين الناس، ولا أحد يتكلم باسم السماء – فالأمر محسوم هناك-، تقدمت هذه الأمم بعد أن أدركت العائق الديني، فَنَحَّتْهُ من طريقها ودنياها، ومعاشها، فإذا هي كما نرى ونعيش ونعاين ونراقب.
أفاقت الأمة العربية الإسلامية بعد بَيَاتٍ شتوي استغرق خمسة قرون، في أحسن الأحوال، فسارعت إلى النهوض، واللحاق بالركب الأوروبي، من خلال البعثات الطلابية، ومن خلال الاستعمار الذي كان صدمة لها إذ عرى حقيقتها التي لم تكن غير حقيقة الضعف العام، والتخلف التام، والغَرق في يَمّ الجهالة الجهلاء، والسقوط في دَرَك الأوهام. نشطت آلة الترجمة والنقل، والاستنبات، وتوالجت بنيات التحديث الفوقية والتحتية في صراع مع الزمن، لكن الدين كان في المنعطف صخرة ضخمة تعترض الماشين، والزاحفين، والمهرولين الذين يريدون اللحاق بعد أن هالهم تأخر الأمة الإسلامية التي كانت "خير أمة أخرجت للناس" !، كان الدين تنّينًا ذا رؤوس متعددة، وألسنة / شُهُبٍ تقذف النار والشرر، تصدى للتقدم على بطئه، وللزحف على تثاقله، وللمشي على رِسْلِهِ وإمهاله، تصدى مقاوما عبر "علماء" و"فقهاء" تَلُوثُ الأصفارُ على رؤوسهم، وتَدِبُّ جُعَلُ الجهل فوق عمائمهم، وأدمغتهم، حيث اعتبروا العلوم النصرانية كفراً، والقائلين بها زنادقة ومرتدين، ومن ثم هَرْطَقُوا طه حسين، وأحمد أمين، وسلامة موسى، وشبلي الشميل، والطاهر الحداد، وقاسم أمين، وأحمد شوقي، ومدرسة الديوان، وأيولو، وجبران خليل جبران ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم ونوال السعداوي وفؤاد زكريا وفرج فودة وخليل عبد الكريم ونصر حامد أبو زيد ولويس عوض وفاتن حمامة وتحية كاريوكا وسامية جمال ونجوى فؤاد وزيزي مصطفى ، وأخريات وآخرين كثيرين . بل حتى الإمام محمد عبده لم يسلم من أذاهم وتحجرهم، إذ اعتبروه مهزوز الإيمان، مدسوس الإسلام، ولك عزيزي أن تعلم على سبيل المثال، أن جنازة الإمام لم تتحرك طوال اليوم بعد أن اشتد النقاش حول الصلاة عليه من عدمها داخل الجامع الأزهر !!.
فالإفاقة المتأخرة التي جاءت في ركاب محمد علي باشا، وبعده، والتي جاءت في العصر الحديث أي مع أواخر القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين بمصر والشام تحديدا، سرعان ما انكفأت، وعلا تثاؤبها، لندخل سباتا جديدا، عَزَّ عليه أن لا يكتمل السبات الأول المستطيل. وعلى رغم أن الاستيطان الكولونيالي ساهم بقسط في هذا السبات، فإن أهل الدار استطابوه، واستمرأوه، إذ لم يكن لهم حول ولا قوة ولا علم يبطشون به، ويقارعون، قصاراهم الدين ملاذا، و"الماوراء" ملجأ، والسماء مطمعا في إحقاق الحق، ومحق النسل الكافر، النسل النصراني واليهودي الذي كان وراء ما طَمَّ العرب، وَغَوَّصَ الرُّكَبَ. لسنا بغافلين عن الحراك الجماهيري، الذي هَبَّ لطرد الاستعمار في كل البلاد المستعمرة، يقودهم نُخُبٌ مفكرة، وقادة رأي ووطنية.
اندحر الاستعمار، وخرج يجر أذيال الخيبة كما يقال – من يجر الأذيال هم أم نحن؟- ولم نستفق، فكأن الإفاقة السريعة التي أعقبت الخروج، طمعا في امتلاك السيادة، واسترداد القيادة، واستعادة الأرض والمجد، مرت في القيل والقال، والاقتتال حول فكرة البناء، وطبيعة الوطن، ونوع السياسة والاقتصاد المطلوب لهذا البناء. جثم العسكر على أقدار دول عربية وإسلامية بما يعني انتشار الديكتاتورية والقمع، وكسر الرأس والعظام أي سلب الحريات، وَوَأْد أي تطلع إلى الديمقراطية.
جثم وَكَسَّرَ، فإذا الأوضاع الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والبيئية، تشكو الفقر والوضاعة والهشاشة، وإذا القلة الأوليغارشية جبارة مستأسدة بالمال والسلطة، وبالكومْبرَادُورْ الذي يلتقي معها موضوعيا، فيما الأغلبية تكدح وتشقى.. وتكتفي بالفُتَات. سُبَاتٌ تَمَطَّى – إِذًا- حتى جاء "الربيع الخديج"، ربيع الهبات الجماهيرية في جل البلدان العربية – الإسلامية، ليهز الأركان المهزوزة أصلا، ويدك الأرض من تحت أقدام الجبارة "الكارطونيين"، الذين سقطوا كأوراق الخريف، وهربوا، واندحروا. وكان الدين مرة أخرى – في المنعطف متربصا، يتحين الفرصة ليجهز على الإفاقة العظيمة المتأخرة، فيعيد المستفيقين اليقظين إلى الكهف، إلى النوم والبيات، ممتطيا هذا الحراك الجسيم، مستفيدا من "اللخبطة" العامة، والاضطراب المهول، ليقبض على عنق اللحظة الذهبية، ويهتبلها فرصة مَاسِيَّة ظل يتحينها منذ أكثر من ثمانين سنة في وصية يتوارثها ربانيون عن ربانيين، وكان ما كان، كان حتى صعد نجمهم، وعلا سعدهم، فواتتهم اللحظة، ثم تسنموا السّنام، وارتقوا السُّلم المعجز، فإذا هم في قُمْرَةِ الرياسة والقيادة والسلطة، يأمرون، وينهون، معتبرين مصر العظيمة – وهم الأقزام- بيتهم لوحدهم، مصر سبيلا لاَحِبًا إلى الإمارة والخلافة. لا أقليات، لا أقباط ولا يهود، ولا يحزنون، المسلمون فقط، والمسلمون –لعلك مُنْتَبِهٌ- أصناف، أما الصنف المعصوم الذي حاز علم الدنيا والدين، علم الآخرة والغيب، والوراء، والماوراء، والخلف والفوق، فهو: الإخوان المسلمون الذين طار طائرهم، وانتشى دليلهم من دون أن يعلموا أنهم يُعَنْصِرُون البلاد، ويدعون جهارا نهارا، إلى الأبارتايد المقيت، والزج بمصر في وهاد التهلكة، والدفع بها إلى المجهول.
لكن الشعب –والشباب في طليعته – عاين بذهول- ما يجري ما جعله يسرع ويَسْتبِقُ الزمن ليخرج في ثورة شعبية قيامية يوم 30 يونيو 2013 قصمت ظهر "الإسلام هو الحل"، وظهر "الإخوان" الذين فشلوا في تدبير أمر مصر، وبان أنهم صغار ضعاف بينما مصر منيفة وعظيمة، وتاريخ متجذر وضارب قبل أن تكون الديانات. إنها إفاقة أخرى يتخللها الوضوح والغموض، الإبصار الحي، والقذى المؤلم الذي قد يقود إلى العمى، ما لم تأخذ مصر بزمام مصر، أي ما لم يعد المصريون العظام إلى الجادة، وينبذوا التفرقة، ويستأصلوا الإرهاب، ويضعوا مصير مصر بين يدي قادة رأي وفكر وعلم وسياسة وَحِلْم.
بغير هذا، أخاف على مصر، على أن تدخل سباتا مزمنا شبيها بِسُبات أهل الكهف، وَمَحْلاً سياسيا واقتصاديا، وثقافيا، مثيلا لذلك المحل التي شهده المسلمون في عام "الرمادة" وأعوام الجوع والطاعون خلال قرون ممتدة، وتواريخ سوداء.
وفي غرب العالم الإسلامي، في المغرب تعيينا، يقع انقلاب على أحد الحقوق الإنسانية الذي هو حق الحياة، فكأن مدونة الأحوال الشخصية التي ردت للمرأة بعضا من إنسانيتها، وكرمت كينونتها على مستوى جانب من هذه الكينونة، لم تنغرس عميقا في عقول ووجدانات النخب الدينية التي تنقض على المناسبات، والفرص لتنجز الردة الحقوقية، والثقافية، والحضارية. هذه الإفاقة الحقوقية التي استتب لها الأمر بعد لَأْي، يحاول السياسيون الربانيون باسم الدين، الإلتفاف عليها والانقلاب عليها لتَسْبُتَ، وتعود المياه إلى مجاريها. أما تلك المجاري المخزية العطنة، فهي تزويج البنت في عمر ينزل عن 18 سنة. فهاهي لجنة.العدل والتشريع، وحقوق الإنسان، بالبرلمان، تشهد حربا "ضروسا" ووطيسا بخصوص زواج الصغيرات، وفي المنعطف والثِّوَاء، يَكْمُنُ الدين أو بتعبير أصح، يُتْلع الرأس تأويل الربانيين لِلدّين بما يخدم التسليع، والشبق، ووطء "الطراوة"، بدعوى الحاجة، و تخليصهن من الفقر، ودعوى الرشد والإفاقة والوعي بالجسد ما بين سن 14 و16. والحال أن المبررات التي يسوقها فصيل سياسي إسلاموي، ما كان لهم سَوْقُها، لو آمنوا بحبة خردل من كرامة إنسانية، وتساءلوا : ما سبب الفقر والحاجة، والاضطرار الظالم؟، ما سبب الأمية والجهل؟ أليس سبب ذلك يرجع إلى الدولة، ممثلة بالحكومات المتعاقبة التي لم تستأصل آفة الأمية، ولم تنشر في الناس التربية والتعليم، إن حاضرًا أو باديا.
لقد تُرِكَ الكل في مهب الريح، تُرِكوا لمصائرهم، تركوا للقدر والمجهول، وتُركوا لِمصَّاصِي الدماء الشبقين، ولفقهاء الولائم و"الزّْرُودْ" والنكاح والمناكحة، إسْوَةً بالصحابة الكرام، والسيدة عائشة زوج الرسول الأكرم التي بنى بها النبي وعمرها تسع سنوات، علما أنها فَرْيَةٌ، وكِذْبةٌ كرَّسها تاريخ مصنوع، وعلماء مأجورون، وفيها ما فيها من إساءة إلى الرسول، وإلى الإسلام والمسلمين. إذ التحريات الآن، والفحص والتمحيص، يقول بغير العمر المكرس، يقول بعُمر الرشد والوعي لا بعمر الصبا واللهو، والتأرجح بين أعذاق النخيل. خوفي على الإفاقة المغربية المخادعة التي قد يتلوها سبات وبيات.
سؤال أخير: هل تناقش البرلمانات الأوروبية، والأمريكية، والأسيوية والأسترالية، هذه القضية "الوجودية"، والمسألة "المصيرية" زواج البنت القاصر، الطفلة التي تُجَسْدِنُ اللهو، والمرح، والبراءة؟ هل تناقش تعديد النساء والحريم، و"ملك اليمين"؟ والإرث، وغيرها..؟.
أسأل .. ولا أريد جوابا..، فالجواب يثوي عميقًا أسيفًا، ركينا حصينا في البنية الذهنية الدينية، وفي التخلف البنيوي الحاد والعُضال والمزمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.