يحاول بعض الآباء إشهار ورقة السخط والرضى في وجه أبنائهم من أجل التأثير عليهم لقبول القرارات التي يتخذونها بدلا عنهم. سلطة رمزية يحاول الآباء استعمالها كسلاح أخير في محاولة يائسة لتنفيذ قراراتهم التي يحاولون فرضها على أبنائهم . حاد الطباع وصعب الميراس، ولا يسمح لأي فرد من أفراد أسرته بأن يناقش قراراته التي يعتبر أنها تسري على الجميع دون نقاش أو جدال، ولا يتوانى عن إشهار كل أسلحته المادية والرمزية في وجه من يرفض تنفيذ رغباته لأنه يرى أنه الشخص الوحيد الذي يعرف مصلحة جميع من في البيت. الزواج حوله إلى مسخوط كل أفراد الأسرة يعانون من تسلطه، ورغبته القوية في فرض أسلوبه وطريقة تفكيره على أبنائه، وهذا الأمر يدخله دائما في نقاشات مع أبنائه بسبب خلافاته المستمرة معهم حول أمور حياتهم الخاصة التي يتدخل فيها محاولا فرض قراراته. يقرر الأب في كل كبيرة وصغيرة تهم حياة أبنائه، بدءا من فرض رأيه على توجهاتهم الدراسية، مرورا باختيار أصدقائهم، وانتهاءا بكل الأمور الأخرى التي تتعلق بعلاقاتهم داخل المجتمع. يحاول أبناء مصطفى التواصل معه، وفتح باب للحوار وتجنب الصدام معه، لكن كل محاولاتهم تنتهي بالفشل، ليكون الحل في نهاية المطاف هو ما قرره الأب بشكل شططي. قبل أن يقرر ابنه الأكبر الزواج بفتاة كانت تربطه بها علاقة حب، تواعدا خلالها على إكمال حياتهما مع بعضهما البعض، ارتأى أن يخبر والده ليكون على علم بهذا القرار المصيري. عرض الإبن على والده قرار الإرتباط، منتظرا منه مباركة هذه الخطوة ومرافقته لزيارة أهل الفتاة، لكنه فوجئ به يرفض هذا الزواج ويصدر أحكامه على الفتاة حتى دون أن يكون له سابق معرفة بها وبأخلاقها! وحاول في الوقت ذاته تزويجه بإحدى بنات العائلة. حاول الإبن بكل الطرق إقناع والده بالأمر، كما حاول الوالد بالمقابل التحايل على ابنه لقبول الزواج بإحدى بنات العائلة، لكنه سرعان ما غير أسلوبه في النقاش أمام إصرار ابنه على اختياره، وبدأ يهدده باستعمال كل الأساليب الممكنة للتأثير عليه، لكن الإبن ظل متشبتا بقراره حتى آخر لحظة. دخل الإبن في نزاع مع والده بعد تشبت كل واحد منهما برأيه، وبعد أن فشلت كل الأساليب في ثني الإبن عن قراره، بدأ الأب يلوح بآخر الأسلحة التي يمتلكها في وجه إبنه، وبدأ يخيره بين «السخط والرضى» إن هو مضى في تنفيذ ما أراد. لم يكن الإبن يريد الخروج عن طاعة والده، لكنه كان بالمقابل يريد تحقيق استقلاليته في اتخاذ قراراته بعيدا عن والده الذي طالما احتل مكانه في اتخاذ القرارات الخاصة به، ولم يترك له حيزا للتخطيط لحياته بعيدا عنه. قرر الإبن الخروج عن طوع الأب والزواج من الفتاة التي اختارها قلبه، بعدما رفض الخضوع لطلبه وغادر منزل العائلة و«سخط عليه» أباه لأنه عصى أمره وتزوج دون رضاه ومباركته. تهديد الأب لإبنه بسلاح «السخط»، جعله في مرحلة أولى يعيد التفكير في قراره خوفا من الإحساس بالذنب والعقاب الإلهي، لكنه تراجع في الأخير عن الأمر واستمر في زواجه ضاربا عرض الحائط غضب والده، إيمانا منه بأن الزمن كفيل بإصلاح ما فسد في علاقته بأبيه. من مرضي إلى مسخوط لأنه الشقيق الأكبر فقد تحمل الكثير من المسؤوليات منذ الصغر، حيث كان يساعد والده في مصروف البيت، وكان الإبن البار «اللي جمع الرضى كلو» من طرف والديه، لكن الأمور سرعان ما ستتغير عندما تزوج واستقل وزوجته بعيدا عن بيت الأسرة. لم يتقبل والدا أحمد أن يستقل ابنهما رفقة زوجته بعيدا عنهما، ويتنصل من الإنفاق عليهما كما كان الحال قبل زواجه، وهو الأمر الذي يعد مستحيلا بالنسبة له، لأن راتبه الشهري لا يسمح له بالإنفاق على بيتين مرة واحدة. لكنه بالرغم من ذلك كان يحاول أن يمدهما نهاية كل شهر بمبلغ مالي بسيط لمساعدتهما، بالرغم من عدم حاجتهما للمساعدة، لكن والدة أحمد كانت تطالبه بالكثير من الأمور التي لا تحتاج لها. تخترع الأم أي حجة لكي تستأثر باهتمام ابنها، وتحصل على أمواله، لأنها تتوهم أن زوجته تحرضه على عدم الإنفاق عليهما كما كان الحال في السابق قبل زواجه واستقراره خارج منزل الأسرة. حاول الإبن بشتى الطرق أن يشرح لوالدته أنه لا يستطيع توفير مصروف بيتين في آن واحد، لكنها كانت تصر على أن يوفر لها كل طلباتها التي قد لا تحتاج لها، وبدأت تلح عليه بكثرة المطالب كلما جاء لزيارتها. أصبحت زيارات الإبن لوالدته متباعدة في الزمن، ولم تعد الأم تضيع أي فرصة للتحدث عن ابنها «المسخوط» الذي استطاعت زوجته أن تقنعه بعدم الإنفاق على والديه، وأرغمته على أن يعطي الأولوية لحياته الخاصة. كان الحديث المغلوط الذي تلوكه الألسن عن الإبن «المسخوط» يحز في نفسه لأنه أبعد ما يكون عن الصواب، لكنه بالرغم من ذلك حاول قدر الإمكان الحفاظ على عادته بالإنفاق على والدته على قدر المستطاع. مجيدة أبوالخيرات