إحساسها أن ابنها الذي كان يعيش في حضنها ويقضي معها معظم الوقت ويبادلها الاهتمام والمشاعر، يدفع بها لتنظر إلى زوجته بأنها أخذت نصيبها، وسيطرت على مشاعره، ولم تجد وسيلة إلا التدخل في حياته، حتي تريه أنها مازالت موجودة.. فلا قرار إلا بالرجوع إليها، وهي التي تحدد مع من؟ وكيف يتعامل؟!... بينما الزوجة، يزعجها في هذا الوضع عدم قدرتها على إدارة حياتها وأسرتها بالشكل الذي تريد، وسرعان ما تصف شريك حياتها "بابن أمه"، نتيجة الالتصاق الدائم بأمه وتطبيق قراراتها في حياته الشخصية والأسرية. فيما الزوج مذبذب بين ترضية أمه وراحة زوجته، تائها بين كيفية التعامل مع الأمر، وإيجاد حلول لهذه المعادلة الصعبة التي وضع فيها.. هل يسعى إلى إرضاء زوجته ويفطر قلب والدته، أم يكسب دعاء أمه ويفسد علاقته بزوجته.. حيث يكون إختيارا معقدا. تدخل بشكل سلبي في صورة لبعض مظاهر الخلل وعدم الاستقرار التي تعاني منها بعض الأسر جراء غياب الاعتدال والتوازن في هذه العلاقة، تقول "خديجة " 26 سنة مهندسة، أن تدخل الأم وممارسة دور الحماة المسيطرة بدأ من الخطوبة، حين بدأت تتدخل في أدق التفاصيل، تحكي عن ذلك بالقول : "كنت كلما ناقشت خطيبي في أمر يهم حياتنا الزوجية، لا يجيب حتى يتصل بأمه على الهاتف ليأخذ رأيها ، وعندما اعترضت على تدخلها، "أرسلت لي رسالة على المحمول " تفسخ الخطوبة بدلا منه، ظل يتصل بي، ويحاول أن يقنعني بأنه متمسك بالزواج مني، لكنه لا يستطيع إغضاب أمه، ظل حائرا بين أن يكون زوجا لي، والسعي لإرضاء لأمه...، حاولت التأقلم مع الوضع، لكن بدا لي ذلك مستحيلا". وتروي "شيماء " 28 سنة مدرسة، أن تدخل أم الزوج كانت تتوقف علي شخصية شريك حياتها الضعيفة، عندما ارتبطت به - تؤكد شيماء – : "كان يعاملني أفضل معاملة، لكن ما توالي الأيام بدا أنه لا يستطيع أخذ قرارا بمفرده، وبدأ يظهر تأثير الأم، بشكل زائد عن الحد المعتاد، فاختلف السلوك وظهرت الندية في التعامل ومحاولة تضييق إمكانيات تجاوز المشاكل التي بدأت تطرأ على علاقتنا، وعندما اعترضت اختفي الرجل الذي أعرفه، فصرت أسيرة علاقة تديرها حماتي من بعيد، رغم أنني مستقلة عنها في السكن، كان يستشيرها في كل كبيرة وصغيرة تمر بحياتنا الأسرية، ويطلب منها أن تتخذ له قراراته الحياتية، وقد يصل الأمر إلى أن تحدد لنا الطعام الذي نأكله...، كان الأمر يثير المشاكل بيني وبين زوجي، لكن والدتي كانت تنصحني بأنه يمكن للزوجة أن تضحي وتصبر على هذا الزوج المتطرف في علاقته بأمه، وأن تواصل حياتها معه من أجل ابنتهما، غير أن الأمور ظلت تزداد سوءا إلى أن طلبت منه بحضرتي أن يطلقني، وشددت في الأمر بالقول "إن لم تطلقها مانت ولدي ما أنا أمك"، كانت هذه الجملة كافية لأن تدفعه للوقوف موقف الحائر التائه بين المحافظة على بيته وعائلته وزوجته، وبين رضا والدته وكسب دعائها الدائم، ليقرر في النهاية بأن يفعل ما طلبته أمه". تائه بين أمي وزوجتي بلسان الزوج يحكي عن هذا الواقع إبراهيم موظف 67 سنة، كانت أمي لا تترك لي الحرية في تحديد شكل العلاقة أو اتخاذ القرارات الخاصة بما أمر به من مواقف، مباشرة بعد عقد قراني على زوجتي، كانت تعبر عن عدم انزعاجها من الاهتمام الزائد بشريكة حياتي، لأننا كنا متفاهمين وعلاقتنا تسير على ما يرام، وما إن اقترب حفل الزفاف، حتى تخطى حبها لي كل الحدود، حينها طلبت مني الافتراق عن زوجة المستقبل، وهي تتوعدني بالسخط "إلا ما طلقتها أنا ساخطة عليك دنيا وآخرة"، توسلت فأجابت "لن تدخل هذه المرأة بيتي أبدا"، لم تشفع تدخلات الأقارب والأحباب، كادت الحيرة تقتلني نفذت طلبها من دون أن أجد سببا مقنعا لذلك". بيده أن ينهي الوضع فاطمة 36 سنة، عاملة، لم تخف تعرض زوجها في بداية زواجهما لهذا الموقف، حيث لم يستطع أن يوفق بينها وبين والدته، موضحة أن وجود الزوج في وضع التائه بيده أن ينهيه، فزوجها – تضيف- تصرف بعقلانية وبأسلوب هادئ حيث أصبح يذكر والدته بأنها تبحث عن سعادته وأن ذلك مرتبطا بسعادة زوجته، لكن بطريقة لا تجعل والدته تغضب منه ويبين لها أن شقيقاته البنات سوف يأتي يوم ويتزوجن ولا ترغب أن يتعرضن لما تتعرض زوجته له حتى أقنعها تماما بأنه لكلْ حقه داخل بيته وأسرته وعليها أن تدعمه، وكنت أساعده على صون هذه العلاقة بأن يحاول قدر المستطاع إشعار الأم بأنه ما زال لها الدور الكبير في حياته كاستشارتها في بعض الأمور الحياتية وأوضاع البيت ولو كان ذلك من باب المجاملة.. وللزوجة دور كبير بقلب أم تحرص على أن تساعد ابنها على الاستقلال بحياته وقراراته، تقول أمي حليمة 54 عاما، " إبني هجر أهله بعد الأشهر الأولى من الزواج، حيث أصبح لا يأتي إلا في المناسبات الكبيرة كالأعياد والأفراح بعد ما كان لا يفارقنا إلا وقت النوم، وذلك نتيجة عدم قدرة زوجته على الانسجام معي ومع باقي أفراد العائلة"، مضيفة "رغم ذلك، فانا أعذر إبني لأنني كنت أحس قلقه وحيرته الدائمة بيننا وبين زوجته، وكيف عليه الوصول إلى الرضا بيننا، فكرهت أن أجد إبني في هذا الوضع"، قبل أن تؤكد بأن "الأمور تعود إلى الزوجة في تحقيق التوازن في هذه العلاقة، لأنها شخص واحد وهم عائلة كبيرة، وعليها ألا تسعى وراء إبعاد إبنهم عنهم فقط لأنها لا تريد أن تكون تحت سقف واحد مع أفراد عائلته جميعا. شخصية غير ناضجة أشار إبراهيم حمداوي أستاذ علم الاجتماع، إلى أن هذه العلاقة غير المتوازنة تظهر نتيجة لاعتبار الأم بأن الزوجة أخذت ابنها الذي سهرت الليالي من أجله، بما يدفع إلى الرغبة في فرض سيطرتها التامة على زوجة ابنها. وبالمقابل - يضيف حمداوي – فإن الزوجة أيضا تخاف على زوجها من والدته ومن تغييره اتجاهها وذلك لمعرفتها المسبقة بأن الابن يسمع كلام والدته، وحتى وإن لم يستجب له فإنه يفكر به، الشيء الذي قد يؤدي إلى المشاكل بينها وبين زوجها، وقد تلجأ الزوجة لإبعاد الأم عن ابنها بأي شكل من الأشكال، والأم تتدخل في حياتها بشكل أو آخر، وفي النهاية يقع الزوج في حيرة اتخاذ قراره بين والدته وزوجته. يقول أستاذ علم الاجتماع عن شخصية هذا الزوج الملتصق بأمه، أنه شخصية غير ناضجة لا يتحمل المسئولية ويبحث عمن يتحملها مكانه، ولا يعرف حدود العلاقات السوية. موجها إلى أنه عند اتخاذ القرارات الزوجية والشخصية بين الزوجين والخاصة بالبيت وتأسيس حياتهم، لابد أن لا يتدخل الوالدان لأن ذلك يؤدي إلي الخلافات المستمرة وفشل العلاقات الزوجية، وهي أحد العوامل التي تسهم في ارتفاع معدل الطلاق.. القريب من أمه قريب من شريكة حياته لكن معتقد شخصية أن الزوج الملتصق بأمه، شخصية غير ناضجة رفضته إحدى الدراسات الأمريكية لكلية فيرام بفرجينيا مؤكدة العكس بأن هناك علاقة قوية بين ارتباط الرجل بأمه ومقدار السعادة التي تشعر بها زوجته معه ومدى رضائها عنه. وأرجع خبراء علم النفس سر هذه النتيجة إلي أن ارتباط الابن بأمه خلال مراحل حياته المختلفة يكسبه الطريقة المثلي للتعامل مع زوجته في المستقبل وزيادة قدرته علي التواصل معها في حالة إن كانت الأم تصف بالحنان والعطف وحبها لأبنائها ، لأنها أول شخص في حياة الرجل الذي يتعرف منها علي الجنس الأخر فهي رمز الأنوثة بالنسبة للطفل الذكر حيث يراقب سلوكها وطبيعة تصرفاتها وغالبا ما يتأثر بكل ما تفعله أمامه. وقال الباحثون أن الاحتكاك القوي بالأم يعني أن الأبناء أفضل كأزواج وأن لديهم قدرة أكبر علي تطوير علاقاتهم الحميمة بشكل عاطفي فالرجل القريب من أمه يكون قريبا من شريكة حياته. في ميزان الشرع اعتبر الدكتور كافي أستاذ الدراسات الإسلامية بالدار البيضاء، أن أهم شيء في العلاقات الإنسانية هو الاعتدال والتوازن، إذ ليس مطلوبا من الزوج بعد زواجه الانفصال والانعزال عن أسرته الأولى، وعن أمه ، كما أنه ليس مطلوبا الاعتماد عليها باستمرار، مضيفا "لا نقول للزوج أن يدير ظهره لأمه بل نقول له أن يتوازن في علاقته حتى لا تفسد أسرته، وتتأثر علاقته بهذا التطرف بعلاقته بأمه". وشدد كافي على ضرورة برها والإحسان إليها، إلا أنه يجب التفرقة- بحسبه - بين طاعتها وبرها، فبعد الزواج يكون لكل حياته واستقلاله، ومن الواجب على الأم أن تساعد ابنها على الاستقلال بحياته وقراراته، وألا يظل معتمدا عليها. وأكد أستاذ الدراسات الإسلامية،أن إكراه الأبوين الفتى أو الفتاة على الانفصال من أزواجهم الذين يحبونهم ويشتركون معهم حلو الحياة وعسرها، سلوك غير مسدد ولا راشد، وهو ينم عن طبيعة استعلائية، بحيث يسوي الإنسان خلافاته بتشتيت الأسر. موجها إلى أنه إذا لم يكن للأبوين حق أصالة في ابتداء النكاح، فلا يملكان تبعا لذلك حق الفرقة والتفريق. وقال كافي مؤكدا : "ثم إن التجاء الأبوين إلى الضغط على أبنائهم بمفارقة الأزواج هو نوع من أنواع الإكراه، وقد قال الإمام مالك قديما وأوذي بسبب فتواه التي سارت بها الركبان، وسطرت في كتب العلم، قوله رحمه الله تعالى: طلاق المكره لا يجوز، طلاق المكره لا يجوز، طلاق المكره لا يجوز. وأضاف : "وإذن لا عبرة بأي قول قاله الأبوان لتفريق أبنائهما عن زوجاتهم، من مثل قولهم: لست لك بأم، أنا ساخطة عليك، ...وغيرها من الأقوال التي لا مكان لها بميزان الشرع. ولا يجب على الأبناء مطاوعة الأبوين في المعصية، وبخاصة المعصية التي يفرح بها الشيطان كثيرا. وأشار كافي إلى أنه إذا كانت بعض الأمهات تزعم وتدعي أن هذه الزوجة قد سرقت لها ابنها، فلتعلم هي أيضا أن هذه سنة الحياة، سبقت هذه الأم إليها بسرقة ابن المرأة التي تزوج بها. مع أنه لا يوجد عندنا في الدين سرقة. وحتى يتجنب الأبناء شيئا من حدة بعض الآباء، وجه الدكتور كافي إلى الإحسان إلى الأم رغم إذايتها، إحسانا ماديا ومعنويا. ولا يوقف شيئا من مساعدتها أو ما يقدر عليه من الإهداء، لعل المال والخلقَ يخفف من جنوح الأبوين. ثم الانتباه إلى زيارتها وأن تكون المباعدة بين الزيارات بالتدريج، وليس دفعة واحدة، وكذا مساعدة الزوجة زوجها، وذلك بالصبر على أمه وأبيه رغم ما يمكن أن تعتقد أنهما قد أوصلا إليها شيئا من الأذى. فإنها بما تفعله تغلب بخيرها شرهم، وتدفع زوجها غلى مزيد من الارتباط بمن لا تكن عداء لأبويه.