أكلت جروا لتعيد الخصوبة إلى رحمها رغبتها الجامحة في تحقيق حلمها بأن تصبح أما، جعلتها ترفض الاقتناع بتشخيص الأطباء، وتنساق بسهولة خلف المشعوذين والدجالين، وتصدق نجاعة وصفات شعبية لا يقبلها العقل، بحيث لن تتردد في تناول لحم جرو على أمل أن تعيد الخصوبة إلى رحمها، غير أن ذلك لن يضمن لها تحقيق حلمها بالإنجاب، ويعيد الاستقرار إلى حياتها الزوجية. مضى أزيد من سنتين على زواج سمية (إسم مستعار)، لكنها لم تتمكن من تحقيق حلمها في أن تصبح أما، ما جعل القلق يعرف الطريق بسهولة إلى نفسها، ويقض مضجعها ويحرمها من طعم الراحة والنوم. وجدت الزوجة ذات السابعة والعشرين عاما نفسها محاصرة بأسئلة صهريها اللذين تقيم معهما بنفس المنزل منذ زواجها، قبل أن يصير تأخر حملها موضوع حديث أفراد العائلة الكبيرة، ما زاد في تعميق مشاعر الخوف والقلق لديها، لتقرر اللجوء إلى الأطباء عملا بنصيحة حماتها. بعد الفحص الدقيق والتحاليل الطبية التي خضعت لها سمية، سيتبين بأنها تعاني من تشوه خلقي على مستوى الرحم سيحول دون إمكانية أن ترزق بمولود يناديها بكلمة «ماما» التي تتوق إلى سماعها. الركض خلف المستحيل »ماعندنا حتى واحد عاكر فالعائلة باش نخرج عاكرة..!»، عبارة ظلت ترددها سمية على مسامع حماتها التي رافقتها إلى العيادة في ذلك اليوم، مشككة في قدرات الطبيب الذي فحصها، ومستدلة بجسدها القوي الذي لطالما كان سليما وخاليا من أي أمراض قد تكون سببا في حرمانها من نعمة الإنجاب ومن عيش حياة طبيعية. سمية التي تجهل أبجديات القراءة والكتابة استعصى عليها الاقتناع بالتشخيص الطبي لحالتها، بالرغم من إجماع كل الأطباء الذين ستزورهم فيما بعد على استحالة قدرتها على الإنجاب في يوم من الأيام. رفضت الزوجة الاستسلام لليأس وقررت تغيير وجهتها من الأطباء نحو العشابين، بحيث ستحرص على اقتناء أنواع مختلفة من الأعشاب لتحضر منها بعض الوصفات التي تتداولها الألسن، بعد أن أكدت لها صديقاتها نجاعتها في علاج العقم وغيره من الأمور المستعصية على الأطباء. في سبيل تحقيق حلم الأمومة الذي لطالما داعب مخيلتها لن تذخر سمية أي جهد أو مال، بحيث كانت تنفق جزءا كبيرا من المصروف الذي يمنحها إياه زوجها، دون أن تعلم الأخير بتحركاتها من أجل اقتناء المواد اللازمة لتحضير تلك الوصفات. مرت الأيام ولم تثمر مجهودات سمية عن أي شيء، لتستبد بها مشاعر اليأس والإحباط بينما سيطر الشك على الزوج الذي احتار في إيجاد تفسير لنفاد المال الذي يمنحها إياه في ظرف وجيز دون أن يعرف الأمور التي يتم إنفاق ذلك المال من أجلها، لتندلع المشاكل والخلافات بين الزوجين وتعكر صفو علاقتهما التي كانت تقوم على أساس المحبة والاحترام المتبادل. تغيرت حياة سمية داخل منزل صهريها من النقيض إلى النقيض، فبعد أن كانت تحظى بمعاملة حسنة من طرف أفراد عائلة زوجها، صارت تشعر بأنها شخص غير مرغوب فيه خاصة من طرف حماتها، التي أصبحت صعبة الإرضاء، وتثور في وجهها لأتفه الأسباب، بينما لم تعد شقيقة زوجها العازبة تمد لها يد العون خلال قيامها بالأعمال المنزلية الشاقة، وتكتفي بمراقبتها وإعطائها الأوامر. بالرغم من شعور «الحكرة» المسيطر عليها نتيجة سوء معاملة حماتها على وجه الخصوص التي تصر على التدخل في كل كبيرة وصغيرة في حياتها، وتحرض ابنها على الزواج من امرأة أخرى تمنحه الإبن الذي سيحمل إسمه ويكون سندا له في المستقبل، كانت سمية تعجز عن الوقوف في وجه حماتها، وذلك بسبب مشاعر الحب التي تكنها لزوجها، وعدم رغبتها في أن تضعه في موقف اختيار وحيرة بين إرضائها أو إرضاء والدته. لحم الجرو لعلاج العقم! الوساوس والأفكار السوداوية التي سيطرت على عقلها بسبب خوفها من أن تفقد زوجها إلى الأبد، كلها أمور تحالفت مع أميتها وجهلها بأسباب العقم، فجعلت سمية تنساق بسهولة خلف الأقاويل والحكايات التي سمعتها على لسان صديقاتها المدمنات على ارتياد الأضرحة والاستعانة بخدمات «الفقها» و«الشوافات»، بحيث سوف تنصحها إحداهن بأن تقوم بطهي لحم جرو وتتناوله للتخلص من بقايا «التوكال» التي سكنت رحمها وأفقدته خصوبته، بعد أن أقنعتها بأنها كانت ضحية سحر مورس عليها من طرف أحد أفراد عائلة زوجها. لم تكذب سمية خبرا، وسارعت إلى الحصول على لحم الجرو، الذي احتفظت به في منزل صديقتها بدلا من منزل صهريها، حتى لا تثير شكوك زوجها وأفراد عائلته، في انتظار أن تسنح لها الفرصة كي تقوم بطهيه وتناوله. حانت الفرصة المواتية بالنسبة إلى سمية لتنفيذ خطتها بعد أن سافر أفراد عائلة الزوج إلى القرية التي ينحدرون منها لزيارة أقاربهم، وأصبحت تقضي ساعات طويلة من اليوم داخل المنزل وحيدة في انتظار عودة زوجها من «القيسارية» التي يشتغل بها كبائع ملابس. هرعت سمية إلى منزل صديقتها بمجرد أن انصرف زوجها إلى عمله، واستلمت على الفور «الأمانة»، لتتجه مباشرة إلى منزلها وتشرع في عملية الطهي، مطبقة الوصفة التي أخبرتها عنها الصديقة بحذافرها حتى تضمن نجاعة العلاج. قاومت الزوجة المغلوبة على أمرها الشعور بالاشمئزاز، وتناولت لحم الجرو وهي تمني نفسها بأن ترزق بالمولود الذي سيعيد إليها الأمل في الحياة ويضمن استمرار زواجها، لتقوم فور انتهائها بالتخلص من بقايا الوصفة حتى لا يعثر عليها زوجها عند عودته. خاب أمل سمية مجددا، فالبرغم من كل تضحياتها لن تتمكن من بلوغ مرادها وتحقيق حلمها في الإنجاب، بحيث سوف تمر الأسابيع تباعا دون أن تشعر بأعراض الحمل، ليستبد اليأس بالزوجة التي لم تترك بابا إلا وطرقته، بعد أن أصبحت حياتها الزوجية مهددة أكثر من ذي قبل، وبأن الخيط الرفيع الذي يربطها بزوجها قد ينقطع في أي لحظة بسبب تدخلات حماتها التي وضعت نصب عينيها هدفا تزويج إبنها وهي لا تزال على قيد حياتها لتستمتع برؤية أحفادها.