التعليق جزء من الكرة. ملح المباراة. إن كان سيئا أفسد عليك الفرجة. وإن كان مشغولا بجودة حرفية شفى غليلك ومنحك لحظات رضى وانتشاء. والحال أنك لا تستطيع أن تشاهد مقابلة صامتة. ستحسها ناقصة. بدون طعم ولا معنى حتى. فالمعلق الرياضي ضرورة. حاجة سمعية يقتضيها طقس المشاهدة. ولا يمكن التنازل عليها، ولا تركينها جانبا ككرة فارغة من الهواء، (مفشوشة). في المقهى، يصرخ الرواد باسم معلقهم المفضل لحمل الماسك ب»التيليكوموند» على تغيير القناة، وتلبية طلبات المتفرجين. والمعلق، ما هو إلا صوت ولغة ومعرفة ب»فقه المستديرة». إنه بلاغة شخصية. أسلوب في «تأويل» المباراة ومنحها نكهة خاصة. كما أن التعليق مدارس. فالفرنكوفونيون والجرمان معروفون بهدوئهم وكياستهم. بأناقة لغتهم. وبنهلهم من قاموس الأدب. وبالصوت الخفيض. ولعلك تتذكر الطريقة البديعة التي علق بها برنار بيفو على مونديال 2006. أما الأمريكولاتينيون فيتميز أسلوبهم بالحماسة الزائدة. بالعبارات الشعبوية المجنحة. بالذوبان في المباراة بكامل الحواس. وبالصراخ.. حتى أن «غول صغيرا يتحول إلى غووووووووول» يقول الكاتب الأوروغوايي الشهير إدواردو غاليانو في تحفته الملحمية «كرة القدم في الشمس والظل». وفي الوقت الذي سرق فيه معلقون عرب، أمثال عصام الشوالي ورؤوف خليف وحفيظ دراجي، النجومية من ألمع اللاعبين، يبدو مشهد التعليق في المغرب فقيرا ومثيرا للبؤس والرثاء. فباستثناء خالد ياسين، المحترف في القنوات الفضائية الكبيرة، والفتى النبيه صاحب الطلاوة الجميلة في اللسان نوفل عواملة، يستمر الصغار هنا في إفساد الفرجة على عشاق الكرة وتلويث السمع والذوق بلغة هي أقرب إلى الإسفاف. هبوط مستوى التعليق قياسا بزمن الرواد: نور الدين كديرة وأحمد الغربي وحميد البرهمي ورشيد جامي والشرايبي وسعيد زدوق… هو من تدني مستوى التعليم نفسه، جزء لا يتجزأ من هذا الانصراف الجماعي عن القراءة والتثقيف الذاتي. فالأدب لم يكن يوما بمنأى عن المستديرة. ولعل في ملف هذا العدد من الملحق بعض إضاءة لهذه العلاقة القديمة المتجددة.