على بعد 15 كيلومترا من أولاد برحيل بإقليم تارودانت، تكون على موعد مع ربى جماعة تالكجونت المحيطة بغابات الأركان العتيق. تبدو القرية خالية من ساكنيها. الكل منهمك في أشغاله، والنساء بدورهن توجهن إلى العمل. حركة دؤوبة داخل مقر تعاونية «تيفاوت» تكسر هدوء منطقة «تالكجونت» الصامت. أنامل النساء تصدر إيقاعا وهن يخرجن حبات الأركان قبل التحميص أو ما يصطلح عليها بالأمازيغية «تزنين» من «أقاين»، حبات أركان بقشرتها الصلبة. علامات التقدم في السن تزين جبينهن وبريق الأمل يسطع من أعينهن تطلعا لغد أفضل. شامخات كأكادير«ن تخشاشت»، يشكلن صفوفا طويلة متقابلة وهن يشتغلن داخل التعاونية. تختلط إيقاعات تكسير حبات الأركان بأصواتهن وأهازيجهن الأمازيغية. «أريد أن أشتغل لأساعد نفسي وأحسن وضعية أسرتي»، كلمات تنطق بها لالة عيشة وعلامات الرضا بادية على محياها. «في بادئ الأمر، انخرطت في التعاونية مثلي مثل باقي النساء، ودفعت رسوم الانخراط بالتقسيط». تعيش المرأة التالكجونتية الآن فصول حياة جديدة تكسر فيها حاجز العادات والتقاليد، الذي حدد عملها بالبيت، دون أن يكون لها مورد مالي مستقل. فإلى وقت قريب كان الخروج من البيت يقتصر على الأعمال المتعلقة بالبيت كالسقي وجني الأركان، وجلب الماء وحضور المناسبات والزيارات العائلية، «أنا سعيدة لخوض غمار هذه التجربة، فاليوم أستطيع أن أكسب قوت العيش، بل أكثر من ذلك نسافر من خلال التعاونية إلى مدن مختلفة لنعرض منتوجاتنا ونمثل منطقتنا جيدا». بعفوية كبيرة تستعرض النساء تجربتهن مع الأركان، وكيف تغيرت حياتهن بعد انخراطهن في التعاونية. أياديهن لا تقف عن «التهراس». تشتغل زينة بالقرب من لالة عيشة ، قائلة «العمل في التعاونية أفضل من الجلوس في البيت، أنا الآن أكسب المال وأساعد زوجي في مصاريف البيت. لقد تغيرت حياتنا بعد الانخراط في التعاونية». تحس زينة بفخر كبير تجاه ما حققته اليوم. لالة عيشة و زينة وأخريات استطعن الظفر بالاستقلالية المادية بعد أن كن يتكلن على أزواجهن، وأضحين يساهمن في الإنفاق العائلي، كما تؤكد زينة. تأسست التعاونية الفلاحية النسوية «تيفاوت» سنة 2004، وتهدف إلى إنتاج وتسويق زيت أركان، إضافة إلى منتوجات محلية كالصابون وكريم الأركان والشامبو والكسكس وأملو اللوز. «ننتج سلعا فلاحية مختلفة وإن كانت الحصيلة الأساسية هي زيت الأركان. لدينا مستوردون أجانب في كل من إيطاليا وإنجلترا»، تقول الكاتبة العامة للتعاونية، وتضيف وعينها تلقي نظرة على ما يجري بالداخل «بالنسبة للتسجيل، تقوم المنخرطة بدفع 400 درهم كمبلغ الانخراط كاملة أو بالتقسيط». عملية استخراج زيت الأركان ليست بالأمر الهين. يمر بعدة مراحل كما تسردها الكاتبة العامة للتعاونية، «نجني الأركان في شهر غشت، وفي بعض الأحيان تقوم التعاونية بشرائه من لدن الساكنة». بعدما تنزع القشرة بشكل آلي تقوم النسوة بعملية «التهراس» أو ما يصطلح عليه بالأمازيغية «أراك». تزيل النساء «تزنين» من «أقاين»، وتضعه في كيس خاص بكل عاملة، يحمل اسمها وتعوض بقدر عملها». «ثمن الكيلوغرام الواحد لا يتعدى 20 درهما. وتعمل النساء من التاسعة صباحا إلى المساء لتحصل على 40 درهما. بينما يصل ثمن زيت الأركان ألف درهم للتر الواحد في الأسواق الأوروبية»، يقول الفاعل الجمعوي ميلود أزرهون بحسرة كبيرة. بعد عملية «التهراس»، التي لم تستطع الاستغناء عن أيادي نساء الدوار، يحمص تزنين في آلة التحميص قبل أن يطحن آليا. ظلت النسوة يطحن الحبات في الرحى لتخرج على شكل عجين، والتطور الحاصل في المجال أعفاهن من هذه المهمة، لتبدأ مرحلة البحث عن الزيت الذهبي بواسطة أنامل النساء النشيطات. ويؤكد رئيس جماعة تالكجونت عبد المالك بازي، أن الجماعة ترصد منحا مالية لتحسين ظروف عمل النساء، واقتناء تجهيزات عصرية لمواكبة التسويق الدولي. وتستفيد من هذا الدعم ما يزيد عن 33 تعاونية وجمعية.