أثارت الظاهرة المسماة «تشرميل» الكثير من التعليقات والتحليلات قبل أن تصبح موضوع سؤال برلماني ثم تحقيق قضائي انتهى بتوقيف 26 شخصا بالإضافة إلى شخص آخر يقضي عقوبة حبسية منذ سنة 2013. التعليقات الكثيرة والإحساس بانعدام الأمن اللذين أثارتهما هذه الظاهرة دفعت مصالح الأمن إلى التحرك بسرعة، فهي المعني الأول بأمن المواطنين، وما يحكى عن هذه الظاهرة يفسر على أنه انسحاب للأمن، باعتبار أن الأمر يتعلق ب«مجرمين» يقومون باعتداءات وسرقات وأكثر من ذلك يتباهون بغزواتهم في صور وأشرطة فيديو منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي. مصالح الأمن بالدارالبيضاء لم تكتف فقط بإجراء تحقيقات واعتقالات، بل عمدت بعد الأبحاث التي قامت بها، إلى القيام بتحليل لهذه الظاهرة، فاعتبرتها مجرد طيش شباب وحب في التفاخر من خلال أخذ صور باستعراض سيوف وأموال ومخدرات وألبسة وإكسسوارات ثمينة أو مزيفة. هكذا أطلقت هذه المصالح على الظاهرة اسم «الفتوة الافتراضية» عوض «التشرميل»، وذلك استنادا إلى أنها غير موجودة على أرض الواقع وأنها تستمد وجودها من العالم الافتراضي الذي يوفره الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. الظاهرة التي شغلت الناس تطرح العديد من الأسئلة خاصة أنها تهم فئة من المغاربة تعتبر قاعدة الهرم السكاني لبلادنا. إذا صدقنا التحليل السوسيوأمني للظاهرة، فإن الأمر هنا لا يتعلق بكل هذه الفئة الشابة بل بفئة كبيرة من الأشخاص الذين لم ينجحوا في دراستهم ولفظتهم الأسرة ونبذهم المجتمع، هي فئة اليوم تبحث عن نفسها وعن إثبات ذاتها بوسيلة ما، وهذه الوسيلة يجب أن تكون فعالة قوية ومثيرة، هذه الصفات الثلاث في بلادنا لا يمتلكها سوى المجرمون !! لذلك تشبه هؤلاء الشبان بمجرمين فاستلوا أسلحتهم البيضاء وعرضوا مسروقاتهم دون أن ينسوا النظرات الصارمة والابتسامة الساخرة التي تميزهم، وقد استطاعوا بذلك أن يكونوا مجتمعا افتراضيا مع باقي أقرانهم الذين «هجروا» المجتمع الواقعي واختاروا «الفيسبوك» ليس وسيلة فقط للتواصل بل للعيش واقتسام لحظات المتعة التي يحققونها مع كل صورة أو شريط فيديو جديد يوزعونه. مواصلة التحليل بهذا الشكل لن يتوقف لأن«التشرميل» بعد أن يصبح سلوكا سيجد موطئ قدم في مجالات أخرى على رأسها السياسة التي بدأت أولى علامات «التشرميل» بها منذ مدة!!