في يوم ظنت التلميذة فاطمة الزهراء بأنه لن يختلف عن باقي الأيام، وبأنها ستعود فيه سالمة إلى منزل أسرتها، سوف تٌلَطخ وزرتها البيضاء بالدماء التي ستسيل من وجهها، بعد أن تتعرض في طريقها من المدرسة في اتجاه المنزل لاعتداء بواسطة آلة حادة من طرف لص حاول الاستيلاء على هاتفها النقال، وقرر الانتقام منها لإبدائها بعض المقاومة بتشويه ملامح وجهها. خرجت فاطمة الزهراء من المدرسة مساء ذلك اليوم، متجهة صوب منزلها رفقة إحدى صديقاتها، بعد أن تخلصت من الاكتظاظ والضوضاء، ومن عناء التدافع في بوابة الإعدادية، كما نجا جسدها النحيف من الحجارة وقنينات المياه الغازية التي كان يتراشق بها التلاميذ وهم يتراكضون خلف بعضهم البعض. في طريقها نحو منزلها، أخرجت الفتاة ذات الخامسة عشر ربيعا من جيبها هاتفها النقال الباهظ الثمن، وشرعت في عرض ما تخزنه بداخله من صور وهي تتجاذب أطراف الحديث مع صديقتها. كانت فاطمة الزهراء منهمكة في الحديث مع صديقتها إلى درجة جعلتها لا تشعر بأن هناك شخصا يتعقب خطواتهما، ويوشك على الاقتراب منهما. انتفضت الفتاتان بفزع على صوت شخص يأمرهما بتسليمه كل ما بحوزتهما من مال وهواتف نقالة، وتعاظم خوفهما بعد أن أدركتا من خلال مظهر الشخص المتحدث وآثار الندوب والكدمات التي تغزو ملامح وجهه، أن الأمر يتعلق بلص محترف أسال لعابه الهاتف الذي كانت تحمله فاطمة الزهراء في يدها، فقرر استغلال خلو الشارع من المارة في تلك اللحظة لبث الرعب في نفسيهما قبل أن ينفد سرقته. أطلقت الصديقة ساقيها للريح بعد أن فطنت إلى خطورة الوضع، وإلى أن اللص الذي كان يترنح من تأثير الكحول لن يتردد في إيذائهما، بينما ظلت فاطمة الزهراء متسمرة في مكانها، بعد أن تسلل الخوف إلى نفسها فأفقدها القدرة على الحراك، غير أن خوفها ذاك لم يمنعها من إبداء شيء من المقاومة، بحيث رفضت تسليم اللص هاتفها النقال، وبدأت في الصراخ على أمل أن يستجيب أحد المارة لنداءات الاستغاثة التي أطلقتها، متجاهلة تهديدات اللص لها بضربها وتشويه ملامح وجهها. تطاير الغضب من عيني اللص بعد أن رفضت فاطمة الزهراء الانصياع لأوامره بمنحه هاتفها النقال وكل ما بحوزتها من أموال، ليدس يده داخل جيب سرواله، ثم يخرج شفرة للحلاقة، ويضع بواسطتها توقيعه على خدها، في إصرار تام على أن يترك لها ذكرى مؤلمة تطاردها وتجعلها عاجزة عن نسيانه إلى الأبد، قبل أن يلوذ بالفرار إلى وجهة مجهولة، دون أن ينهي عملية السرقة التي قدم من أجلها. صرخت الفتاة من شدة الألم، قبل أن تنهار وتقع أرضا مغشيا عليها، لرؤيتها منظر الدماء التي سالت من وجهها، فلطخت وزرتها المدرسية البيضاء، وظلت تتقاطر على الرصيف الذي كانت تقف عليه. تم نقل فاطمة الزهراء على وجه السرعة إلى أحد المستشفيات من طرف المارة الذين سمعوا صوت صراخها، وهبوا لنجدتها بعد فوات الأوان، لتتلقى هناك الإسعافات اللازمة التي ستخلصها من ألم الجرح الغائر، والذي تجاوز طوله الثماني سنتيمترات، لكنها لن تمحو آثاره، وتعيد الجمال إلى وجهها. لن تكون جلسات العلاج النفسي التي ستخضع لها فاطمة الزهراء كافية لمساعدتها على التعايش مع مظهرها الجديد، وتجاوز معاناتها وآثار تلك التجربة المريرة، بحيث صارت تدخل في نوبة بكاء حاد كلما نظرت إلى وجهها في المرآة، ما جعل حالتها النفسية تتدهور يوما بعد يوم، خاصة أن اللص الذي ألحق بها ذلك الضرر لا يزال ينعم بالحرية ولم تطله قبضة العدالة، لكي ينال العقاب على الجريمة التي ارتكبها في حقها، وهو الأمر الذي جعلها تخشى الخروج إلى الشارع نتيجة شعورها بعدم الأمان. تدهور حالتها النفسية سيقودها في نهاية المطاف إلى مغادرة مقاعد الدراسة إلى غير رجعة، بعد أن لمست اختلافا كبيرا في أسلوب المعاملة من طرف زملائها ومعلميها الذين شعرت بأنهم صاروا يحاولون إرضاءها ويتحاشون إغضابها تعاطفا مع وضعها. أصبحت فاطمة الزهراء عاجزة عن الخروج إلى الشارع لمواجهة الناس، تقضي اليوم بطوله وحيدة بين أربعة جدران، حبيسة غرفتها، تقابل بالرفض كل دعوات أفراد أسرتها لها بالخروج، حتى لا ترى نظرات الشفقة في أعينهم، أو الاشمئزاز من مظهرها، وخوفا من أن تتعرض مجددا للاعتداء علي يد أحد اللصوص