شيخ سلفي يدعى عبد الحميد أبو النعيم المغربي يقصف عددا من الشخصيات السياسية والفكرية والهيآت والمؤسسات بقاموس ثقيل من القذف والتكفير والتحريض على القتل. الشيخ السلفي ختم بدايات الأصوليين في مهاجمة الاتحاد الاشتراكي وقيادته بالفصيح ، بعد أن ناوش الريسوني والزمزمي والحمداوي وغيرهم بنفس السلاح طيلة الأسبوع الماضي ردا على ما ورد في كلمة إدريس لشكر بمناسبة افتتاح مؤتمر النساء الاتحاديات حول إلغاء أشكال التمييز حول المرأة وفتح نقاش حول الإرث.******************* الشيخ السلفي بدا متجهما في مقطع الفيديو الذي بث عبر الإنترنيت، اختار أن يتشح بسواد المظهر والعبارة، وهو يخرج سلاحا ثقيلا يعرف خطورته ويعبر في كل مقطع عن استعداده لدفع ثمنه، فهاجم مباشرة إدريس لشكر ونساء الحزب، واعتبر ما قاله حول موضوع فتح نقاش حول الإرث "كفر بواح وحرب على القرآن والسنة"، لينتقل مباشرة لتوجيه رشاشه نحو تاريخ الحزب القديم منه والحديث ليقول « إن حزب الاتحاد الاشتراكي معروف بكفره، وتاريخه تاريخ كفر منذ الخمسينات من القرن الماضي، وذلك في مجالسهم الخاصة والعامة». الهجوم الكاسح للشيخ السلفي لم يتوقف عند من أصابتهم هجومات الأصوليين بداية الأسبوع الماضي ، بل امتد ليطال قامات فكرية وسياسية، الأموات منهم والأحياء، على رأسهم الزعيم التاريخي للحزب المهدي بن بركة، ومحمد عابد الجابري صاحب "نقد العقل العربي"، والمفكر المغربي المعروف عبد الله العروي. وكذا الباحث والناشط الأمازيغي أحمد عصيد، وأعتبر أن هؤلاء يتهجمون على القرآن ، «كراما للبغايا وتشجيعا للسياحة الجنسية». هجوم عبد الحميد أبو النعيم جاء بعد هجوم كل من أحمد الريسوني الذي انتخب مؤخرا نائبا لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعبد الباري الزمزمي رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل ، ومحمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والاصلاح، على ما ورد في كلمة إدريس لشكر بمناسبة افتتاح أشغال المؤتمر الوطني السابع للنساء الاتحاديات في موضوع «فتح نقاش جدي حول الإرث»، وهي ردود كانت عنيفة وقوية، وانتقلت من الرد الديني إلى الهجوم السياسي والشخصي. وتضمنت عبارات بدأت من أوصاف ناعق وشارد وانتهت بحكم الردة. النقابة الوطنية للصحافة المغربية نددت بمضمون التصريح، ونبهت إلى خطورة نشر هكذا تصريح دون التنبيه إلي مخاطره، منوهة إلى أن قانون النشر وأخلاقيات المهنة يستوجبان التوضيح حين إيراد مضمون التصريح، نظير ما فعلت العديد من وسائل الإعلام الوطنية. ردود الفعل الأولية جاءت من الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي اكتفى بعبارة «سامحه الله» مضيفا أنه يفضل عدم الدخول في التفاصيل ، لأن ما وصفه ب « السلفي» تطاول على شخصيات كبيرة ورموز وطنية وهذا شيء خطير»، فيما عرفت مواقع التواصل الاجتماعي حملة قوية للتنديد بخطورة ما ورد على لسان الشيخ المذكور. كان لافتا الحضور القوي للاتحاديين الذين شنوا هجوما قويا على التصريحات المذكورة، ومتسائلين عن دور الحكومة في التعامل مع هكذا تصريحات، التصريح الذي خلق موجة من الاستنكار تجاوز الأشخاص والمؤسسات الحزبية، لمهاجمة وزارة الأوقاف، والمجالس العلمية والرابطة المحمدية، في مزج ماكر لرسم صورة مقيتة عن علاقة الدولة والهيآت بالإسلام. نهاية سنة 2013 التي ختمها الخطاب الأصولي بهذا الهجوم الكاسح والصريح في تكقير الأشخاص والمؤسسات والهيآت، يربط حبل التواصل ما عرفته السنة الماضية من تواتر لخطاب التكفير المبثوت هن وهناك، ويأتي تزامنا مع تفكيك أكبر خلية إرهابية بالمغرب منذ سنوات، وليعيد إلى الأذهان الأرضية التي هيأت التربة لانجار الإرهاب في وجه المغرب في أحداث 16ماي 2003. فقد تعرضت الطالبة الاتحادية فدوى رجواني، شابة تتابع دراستها في الماجستير شعبة "سياحة وتواصل"، لاعتداء بمدينة أكادير حين وضع إرهابي شفرة حلاقة على عنقها قبل أن يترك رسالة مشفرة ومفضوحة تلخصها عبارة «الإسلام هو الحل». هذه الحادثة جاءت بعد سلسلة حوادث متفرقة لمتشددين يعتدون أو يهددون في مجموعة من المدن، حيث تعرف المغاربة على شكل جديد من التعبيرات القاسية المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي لخطباء استلدوا حركاتهم البهلوانية في الخطابة، أشهرهم عبد الله نهاري. نهاري الذي استعمل لفظا مهجورا في وصف الصحفي المختار الغزيوي ب «الديوت»، ومنح كلامه شحنات التأويل الصريح بالحكم بالقتل، وسيتبين لاحقا أن الشيخ الذي فاجأه الرد القوي للمجتمع المدني والحقوقي، سيلقى دعما من شيوخ السلفية الجهادية الكبار: حسن الكتاني، وعمر الحدوشي وأبو حفص رفيقي. وهؤلاء الثلاثة من المعتقلين في ملف انفجارات الدارالبيضاء سنة 2003. بعدها ستخرج حكاية «المصلحين» الذين نجحوا في تحويل أحياء بسيدي سليمان إلى إمارات خاصة بهم، نجحوا في جعل مقرات السلطة منطلقا لأنشطنتهم العلنية، ودخلوا في لعبة الاحتواء، ليتمكنوا من نسج خيوط لعبة هم متسيدون فيها، لا تخطئهم العين المجردة، بزيهم الأفغاني ولحيهم المسدولة يدعون الانخراط في العمل الجمعوي ، ويستفيدون من أموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وفي السر نشاط ذؤوب لزرع بذور التطرف وتجييش الأتباع، قبل أن تتفجر قضية الأستاذ الذي ترك القسم ليجاهد في سوريا. وبمدينة الريش، سيدخل أساتذة مادة الفلسفة بالثانوية التأهيلية مولاي علي الشريف على مدى ثلاثة أيام، في إضراب إنذاري، احتجاجا على ما وصفوه "بالحملة المسعورة والممنهجة ضد مادة الفلسفة وأطرها، من طرف أساتذة ينتمون إلى تيارات سياسية أصولية…"حملة تقوم على أساليب وصفوها ب «الدنيئة» بغية نشر الحقد والكراهية لدى المتعلمين وتشويه سمعة مدرسيها والإساءة إليهم. وبمدينة تطوان تعرضت مناة السعيدي، المهاجرة التي كانت تقضي شهر رمضان بالمغرب، لمحاولة قتل بعد مسلسل من صنوف الإرهاب النفسي بعدما عارضت الانصياع لقانون الملتحين الذين حولوا الحي إلى فضاء أفغاني بالترهيب. وعلى مقربة من بيت عرافة بسلا أحبطت قوات الأمن محاولة اغتيال في حي الانبعاث قرب ثانوية الصبيحي التأهيلية ضد سيدة عجوز كانت تشتغل بمداواة الأطفال الرضع «رباكة » ، قبل أن تكتشف السلطات الأمنية حقيقة الخلية الارهابية التي كان ينشط فيها معتقلون سابقون. هذه العينة من الوقائع التي عاشها المغرب تضع في السياق الوجه الجديد الذي ظهر به السلفي أبو النعيم، وتطرح أسئلة حقيقية على الحكومة والدولة في مواجهة هذا التواتر في الأقوال والأفعال، وتختبر المجتمع في تعامله مع رماد التطرف الذي يتحرك بعد كل حملة أمنية، وينبه الجميع إلى أن القضية جد في جد، وأن «بداية الحرب كلام».