في ظاهرة جديدة بدأت تعرفها بعض المدن، خرجت خلال المدة الأخيرة مجموعة من النسوة بمدينة ورزازات، وآزمور.. الخ للاحتجاج، ليس للمطالبة بسكن أو شغل.. بل لكونهن ضحايا جمعيات للقروض الصغرى، وحسب قولهن فقد تعرضن للاحتيال والنصب الذي لحقهن من بعض أعوان هذه المؤسسات، في الوقت الذي تشير فيه مؤسسات القروض وإحصائيات إلى أن الاقتراض من أكثر من مؤسسة ساهم في تضخم محفظة المخاطر.لم تعتقد «ربيعة» أم في عقدها الرابع، أنها قد تلجأ في يوم ما إلى الاختباء والامتناع عن مقابلة أعوان السلف، والسبب عدم قدرتها على استرداد مبالغ مالية مترتبة عن قرض. عانت كثيرا من أجل تربية وإعالة طفليها والخروج إلى الشارع لبيع سلع بسيطة، كانت تقوم بجولات مكوكية على عدد من المقاهي، للتمكن من بيع بضاعتها المكونة من مواد بلاستيكية، ومناديل.. لكن في لحظة ما وأمام تواضع أرباحها قررت أن تدخل غمار الاقتراض حيث لجأت إلى جمعية للقروض الصغرى غير بعيد عن مقر سكناها واهتدت إلى مجموعة من النسوة وكونت معهن مجموعة متضامنة، حصلت بعدها على مبلغ خمسة آلاف درهم. فرحة ربيعة وهي تقتني بضاعتها من أحد أسواق البيضاء لبيعها بالجملة، لم تدم طويلا، بعد أن فوجئت ب«المخازنية» في أحد الأيام، وهم يصادرون الملابس التي كانت تعرضها للبيع. لم تجد توسلاتها من أجل استرجاع بضاعتها لدى قائد المقاطعة في اليوم الموالي جدوى، بعد أن أخبرت أنه يستحيل عليها ذلك، لتجد نفسها أمام معضلة تسديد القرض للجمعية. في البداية ولحل المشكل قامت باقتراض مبلغ من لدن أقاربها، غير أن هذ الحل لم يستمر طويلا، أمام فشلها في تدبر الأقساط، مما حذى بها إلى الهروب والاختباء أثناء ظهور أعوان السلف بمؤسسة القرض في حيها «غير ديني للحبس ماعنديش» «الكردي» ورغم إلتزامها المكتوب بتسديده في الموعد إلا «أن الله غالب» حسب قولها، قبل أن تستطرد قائلة «ملقيتش ليه الجهد باش نرجعوا». تستمر ربيعة في ممارسة لعبة الاختباء، وهي في قرارها تدرك أن ما يتم تداوله بين زبناء هذه المؤسسات عن مصير الأشخاص عجزوا عن الوفاء بديونهم، كان غامضا، فلا متابعات قضائية، وشبح السجن ظل بعيدا.. حالة ربيعة ليست سوى، نموذج للمأزق الذي يواجهه عينة من زبناء هذه المؤسسات، بشأن الالتزام باسترداد الديون، إلى درجة أن توترا خفيا ظهر في السنوات الأخيرة بين الطرفين، دفعت أحد أعوان السلف إلى وصف هذا الوضع ب «الشاذ، فهي عملية تشبه مطاردة الساحرات، بين إلتزام البعض بأداء أقساطه المعتادة، وأخرون يشهرون ورقة الافلاس في وجوهنا، بل إنهم لايترددون في ترديد لازمة «غير ديني للحبس ماعنديش». ويضيف أحد أعوان السلف بمدينة الدارالبيضاء وبالضبط بالبرنوصي، الذي بدا عليه التعب، وهو يتحدث عن جزء من الصراع اليومي، مع «زبناء» المؤسسة «غير الأوفياء» عند موعد تسديد قسط من القرض، ليتحول الموعد إلى مواجهة مفتوحة، ومطاردة وبحث مضن من طرفه للعثور على الزبون وحثه على تسديد ديونه. «المشكل أن الضمانات التي يقدمها المعني قبل حصوله على القرض، تتبخر، مع بداية التسديد، مما يضعنها في مأزق اتجاه مؤسستنا، في الوقت الذي كان من المفروض أن تكون هناك مسطرة واضحة لمعالجة هذا المشكل». «كون ماكانوش هاد الفلوس ديال الجمعية ماغديش نقدر ندير هاد المشروع» عبارات تفاؤل تقابل استياء البعض ، أبداها أحد زبناء إحدى مؤسسات القروض الصغرى بمدينة اليوسفية، الذي كان يهم بركوب دراجة خاصة بحمل البضائع، نجح في شرائها بفضل القرض الذي حصل عليه من ذات المؤسسة. لكن تفاؤله يقابل في أحيان كثيرة لدى زبناء، بامتعاض واستياء شديدين، خاصة الذين وجدوا أنفسهم عرضة للتحايل والابتزاز من طرف بعض مستخدمي هذه المؤسسات الذين قاموا باستغلال أمية الزبناء وجهلهم بنسب الفائدة ومواعيد الاسترداد. «مقهورين بالفوائد» .. في ورزازات خرجت مستفيدات من القروض الصغرى، للاحتجاج، يذرفن الدموع وقد استبد بهن اليأس، بعد عجزهن عن تسديد المبالغ المستحقة في موعدها المحدد، نسوة.. بعد أن كن يعتقدن أن لجوءهن إلى الاقتراض من هذه الجمعيات هو الحل في القطع مع واقع الفقر، نزلن إلى الشارع، نهاية شهر أبريل الماضي بعد دعوة لجنة الدفاع عن ضحايا القروض الصغرى، للتنديد بما أسمته باغتناء « مجموعة من السماسرة بهذه المؤسسات على حساب هذه الفئات الفقيرة بل عملت على تشريد بعضها». اللجنة طالبت بتدخل الجهات المعنية بمعاقبة بعض الموظفين المتورطين في عملية الابتزاز والسمسرة خاصة أن الضحايا قد ألحقت بهم أضرارا مادية، بل أكثر من ذلك وحسب اللجنة « فإن عددا كبير من الضحايا اضطروا إلى الطلاق أو الهروب وتعاطي الفتيات والنساء للدعارة، والانتحار من جراء ما لحق هذه الفئات الفقيرة من مشاكل عويصة». مسؤول بإحدى مؤسسات القروض الصغرى، فضل عدم ذكر إسم المؤسسة أوضح بخصوص احتجاجات الضحايا المسجلة في الآونة الأخيرة « أن أطرافا استغلت التحركات الاجتماعية، للدفع ببعض المستفيدين من هذه القروض للاحتجاج، والامتناع عن تسديد القرض، وذلك بالإدعاء بممارسة الابتزاز ضدهم، وهي حالات إن وجدت فهي محدودة، ولاتبيح التنصل من التزامات مكتوبة، وموقعة، ومصادق عليها قبل الاستفادة من الخدمات المالية للمؤسسة». المشكل يقول أحد المتضررين أن «هذه المؤسسات لا تسعى الى المساعدة الاجتماعية بل كتقدم القرض وتفرض فائدة أكثر من 30 في المئة أي الناس كيردو تقريبا المبلغ لي شدو زايد نصفه تقريبا أو أكثر شديتي 5000 درهم خصك ترد 10000 درهم في بعض الحالات، في حين أن الفائدة القانونية لا تتعدى 3 في المئة..». فالقروض أحيانا توقع – حسب شهادة عدد آخر من الزبناء على ورق دون سند قانوني وهي قابلة للتزوير لكون أغلب الزبناء أميون، ولا يسألون عن نسبة الفوائد وغير واعين بارتفاعها أو انخفاضها بالإضافة إلى الارتباك المسجل على مستوى الديون المستخلصة وغير المستخلصة. أمام هذا المأزق تصبح المواجهة بين الطرفين، عنوانا لفقدان ثقة، وهي رأسمال عمل مؤسسات القروض الصغرى يعلق أحد الإداريين العاملين في إحداها، في غياب ضمانات حقيقية من شأنها حماية حقوق الطرف الأول، لدرجة أن الاتهامات المتبادلة، حول وجود عمليات الابتزاز والاحتيال بين طرف وآخر، صارت من الأمور البديهية، ففي مدينة اليوسفية التي تعتبر عاصمة للقروض الصغرى، نتيجة حجم الاقبال على هذه القروض من طرف الفئات الفقيرة لأجل تنمية مواردهم، كشفت شهادات عدد « الزبناء» عن تعرضهم لعمليات نصب واحتيال، «عبد الله» أحد هؤلاء الذين كان عرضة للاحتيال، لم يجد بدا من وضع شكايته لدى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية باليوسفية ضد عون بإحدى وكالات القروض حيث اتهمه بالنصب والتزوير، إذ أن العون المتهم استغل صفته كمسؤول بالوكالة للنصب عليه، فبعد أن تقدم بطلب سلف قدره عشرون ألف درهم، غير أنه فوجأ بكونه مدين بمبلغ أربعون ألف درهم وعند محاولته استفسار المشتكى به أخبره أنه ذلك ليعدو سوى خطأ. كما تقدم المواطن (أحمد) هو الآخر بشكاية يتهم فيها مستخدما بمؤسسة القرض بالنصب والاحتيال، حيث طلب قرضا بمبلغ عشرون ألف درهما بعد ضمانه من أحد أعوان السلف، إلا أنه عند تسليم المبلغ أكد المسؤول عن مؤسسة القرض أنه لم يتم الاستجابة إلا لمبلغ 5000 درهم مقابل 330 درهما شهريا، وبعد أن أدى ماعليه من دين فوجئ بدعوى قضائية من أجل استيفاء مبلغ عشرون ألف درهم . استرداد الديون، يصل في بعض الأحيان إلى استعمال طرق غير قانونية لإرغام الزبناء على تأدية مابذمتهم، نهاية السنة الماضية وبإحدى مدن جهة الغرب قامت لجنة لإحدى مؤسسات للقروض الصغرى، وأعوانها بانزال بأحد الأسواق الأسبوعي، والهدف مطالبة عدد من الدائنين بتسديد ما بذمتهم، حيث تم مصادرة بقرة من عند أحد الفلاحين وبيعها بمبلغ 9000 درهم دون تمكين المواطن من وصل. بعض السكان أوضحوا أن طريقة إرغامهم على التسديد بشكل عشوائي من طرف مستخدمين لا يستند على جوانب قانونية، ولا يراعي طبيعة المنطقة المنكوبة نتيجة الفيضانات. فيدرالية الوطنية للقروض الصغرى وبنك المغرب سبق أن نبها إلى خطورة الوضع قبل أن يلتجيء بنك المغرب إلى نشر مذكرة تنبه إلى القروض المتداخلة، تلتها مذكرة أخرى تتضمن توجيهات حول قواعد تصنيف وتطعيم القروض غير المؤداة. وترجع أسباب هذه الوضعية التي وصفها أغلب المشرفين على جمعيات القروض الصغرى بالخطيرة إلى القروض المتداخلة التي يلجأ إليها بعض المستفيدين باللجوء إلى أكثر من جمعية للاستدانة. الأمانة: الاستدانة المزدوجة تهديد قائم للقروض للوقوف على وجهة نظر إحدى المؤسسات العاملة في هذا القطاع، توجهنا باستفساراتنا في الموضوع إلى مؤسسة الأمانة، كإحدى المؤسسات الرائدة في هذا المجال والتي تستهدف خدماتها الأفراد والمجموعات التي لا تستجيب الأنظمة البنكية الكلاسيكية لحاجياتهم المالية ومواكبتها. فالأمانة مؤسسة مالية لا تستفيد من أي الدعم، وأن الأموال التي تمنحها كقروض صغرى تستدينها بدورها من الأسواق المالية ومن المقرضين حسب أسعار وشروط محددة من طرف الفاعلين في هذا القطاع ومتطلبات السوق، والأمانة مُلزمة باحترام معدل هذه الأسعار وفق ما يُمليه بنك المغرب على القطاع وتُمليه الظروف الإقتصادية للسوق المالي الداخلي، كما أن تقديم خدمة القروض الصغرى للساكنة المستبعدة من النظام البنكي الرسمي تكلفها مصاريف هائلة وأن الأقساط التي يسددها الزبناء في إطار القروض التي منحت لهم، يعاد تصريفها كقروض جديدة لخدمة مستفيدين جدد، وتسدد بها الأمانة جزءا من ديونها، وتسير بها شبكتها المتكونة من 435 نقطة بيع ويسيرها ما يفوق 2000 أجير. نظرا لكل هذا فإن المؤسسة ونظيراتها حريصين كل الحرص على استرداد مبالغ القروض من الزبناء وفق الإجراءات المنصوص عليها في العقود وحسب الإلتزامات التي وافقوا عليها عند إبرام عقد القرض. وبخصوص مشكل التأخر في الاسترداد، تتعامل الأمانة مع زبنائها المتأخرين في السداد حسب ثلاث حالات، الفئة الأولى هم الزبناء الذين فقدوا مواردهم المعيشية كليا جراء حادث فجائي (عجز أو كارثة طبيعية...) أو المتوفون، وهنا تتحمل المؤسسة من خلال صندوق تضامني تغطية الإستحقاقات المالية الغير مسددة المتبقية من مبلغ القرض. الفئة الثانية هم الزبناء الذين يمرون بظروف مؤقتة صعبة تحول دون التزامهم بتأدية أقساط القروض المدينين بها للأمانة. فهؤلاء تمنحهم المؤسسة مهلة أخرى يتم بموجبها إعادة جدولة ديونهم ومدة تسديدها. فخلال سنة 2010 تمت إعادة جدولة 300 حالة. الفئة الثالثة تتمثل في الزبناء الذين يرفضون تعنتا تسديد ديونهم رغم توفرهم على الإمكانيات لذلك، فهؤلاء وبعد استنفاذ كافة الإجراءات الودية معهم يخضعون لمتابعة قانونية طبقا لما هو وارد في العقد الذي يربطهم بالمؤسسة. علاقة المؤسسة بالزبون مضبوطة بعقد قانوني، وقد ساهمت المنافسة الشديدة التي يعرفها قطاع التمويل الأصغر، إلى جانب سوء استخدام القروض الصغرى من قِبل الزبناء ومؤسسات القروض الصغرى على حد سواء، بشكل كبير في تنامي ظاهرة الإستدانة المزدوجة وتضخم محفظة المخاطر. مؤطر جمعيات حماية المستهلك: الضحايا غير محميين «لقد سجلنا تزايد نسبة الاقبال على هذا النوع من القروض بشكل مفرط، إلى درجة أنا بتنا نتخوف من التداعيات والنتائج المحتملة على جيب المستهلك ذو الدخل الضعيف»، يقول سمير جعفري رئيس فيدرالية جمعيات حماية المستهلك، اعتبر أن هذه القروض تقدم بنسب فوائد مرتفعة، وهو ما يفسر الاقبال عليها من طرف مؤسسات بنكية كبرى، وبخصوص ارتفاع الفوائد فإن هذه المؤسسات العاملة في هذا المجال تعلل ذلك بغياب ضمانات قوية لدى المستفيدين منها. ورغم وجود العشرات من الجمعيات العاملة في مجال حماية المستهلك، إلا أنها تجد صعوبة في التقاضي باسم «ضحايا هذه القروض» وأن تنتصب كطرف مدني، نظرا للشروط التي وضعها القانون في هذا الاطار، منها أن تكون للجمعية صفة المنفعة العامة، كما أن عدم اللجوء الجماعي أثناء حصول ضرر إلى متابعة الجهة، يزيد من تعميق وضعية المستهلك المتضرر. وبخصوص الضمانات التي يقدمها زبون القروض الصغرى، فإن طابعها الهش أحيانا وفي غياب متابعة للتأكد من أن طالب السلف لديه مشروع، سيسمح له بتنمية موارده، وبالتالي استرداد الدين. وعموما يظل وضع زبون هذه المؤسسات ضعيفا خاصة عندما لايظهر أي تحسن في مشروعه. مؤطر.. صندوق «جيدة» : استمرار تداخل الاقتراض أظهرت دراسة أجراها صندوق «جيدة» لتمويل الجمعيات المتخصصة في السلفات الصغرى بالمغرب، وهي مؤسسة بدأت نشاطها في الميدان في أبريل 2007 فيما يخص الإستدانة المزدوجة أنها انخفاظا كبيرا خلال 2010 بفضل الجهود المبذولة من طرف مؤسسات القروض الصغرى في القطاع، لكن رغم ذلك لا تزال هذه الظاهرة مستمرة بسبب عدم تكييف مبالغ القروض وشروط السداد مع احتياجات الزبناء إضافة إلى التكتل الكبير الذي يعرفه القطاع. فحسب هذه الدراسة الميدانية تبلغ نسبة الإستدانة المزدوجة حوالي 26 ٪ من العينة المدروسة (100 مستفيد) وإدراكا منها للآثار الخطيرة التي يمثلها النمو السريع للإستدانة المزدوجة على استمراريتها، أصبحت مؤسسات القروض الصغرى، أكثر حرصا وحذرا في سياساتها لمنح القروض إذ لجأت إلى وضع وتنفيذ عدد من التدابير للحد من هذه الظاهرة ومن أهمها: دراسة الجدوى خاصة بمشروع الزبون، مدى قدرته على السداد، التأكد من سلامة نية الزبون عند طلب القرض..