خيبة أمل ساكنة بعض الجماعات القروية بالمحمدية بخصوص مضاميم تصاميم التهيئة التي خرجت مؤخرا لحيز الوجود كان كبيرا. خيبة فسرها كم التعرضات، وقرارات الرفض حتى من المنتخبين أنفسهم، والذين أعلنوا أنه مشروع مجحف ولم يراعي الآفاق المستقبلية للمنطقة في تطوير بنيتها التحتية، وضمان حقوق الساكنة والملاكين على حد سواء. اعتادت ساكنة العشرات من الدواوير المنتشرة ببني يخلف بضواحي المحمدية بين الفينة والأخرى وطيلة السنوات الماضية على مشاهدة تحليق طائرات صغيرة فوق سماء المنطقة، ظهورها لم يكن صدفة أو مجرد تحليق روتيني.. فالطائرات كانت تقوم بطلعات منتظمة لالتقاط صور جوية للمنطقة.. المقربون من هذه العمليات الجوية فسروا الأمر وأوضحوا أن « تحليق الطائرات المتكرر الهدف منه انجاز رسومات طبغرافية جوية، لتوفير معطيات جيوتقنية قصد اعداد وثائق التعمير ». نفس التصريحات أكدت بوثوق « لكن ليس كل التحليقات الهدف منها التقاط صور بغرض التحفيظ بل كان الهدف منها أيضا جمع المعطيات لانجاز تصاميم التهيئة الخاص بالمنطقة ». تصاميم انتظرها السكان والمنتخبون، وجمعيات المجتمع المدني، وأصحاب الأرض والملاكون الكبار، بفارغ الصبر، بل لقد دافعوا بشدة على أن تكون هذه التصاميم، بداية للقطع مع الفوضى والعشوائية التي لازالت تطبع هذه المنطقة بالمدينة. فالتجاوزات والخروقات تسترسل الشهادات تكاد لاتنتهي وتتم في واضحة النهار.. تجاوزات لم تسلم منها الأراضي الفلاحية التي عرفت في السنوات الأخيرة تراجعا مقلقا،أو تلك التي همت التجزءات السكنية. « يكفي أن تقوم بجولة قصيرة بالمنطقة لتكتشف حجم استفحال الظاهرة، واستغلال لوبي العقار للوضع، لتنفيذ مزيد من الخروقات». فأمام التشويه الذي بات يطبع المنطقة، وطبيعة ردود الفعل التي يمكن أن تنتج عن أي تدخل للحد من الظاهرة كان من الضروري أن تخرج تصاميم تهيئة لوقف النزيف خاصة مع تناسل الدوريات الوزارية المشتركة الخاصة بمراقبة مخالفات التعمير بالمنطقة، وحجم التدخلات اليومية لوقف عمليات البناء غير القانوني لمستودعات وتجمعات سكنية عشوائية فوق أراض فلاحية. خروقات يمكن رصدها في دواوير عديدة متفرقة من الجماعة كسيدي عباد ودوار الخدود ودوار الروس ودوار الشحاوطة ودوار السباعي، والشيشان وعين تكي..،السويلبات الخ. تعرضات تعيد التهيئة العمرانية إلى نقطة البداية «تصميم التهيئة يفتقد إلى رؤية وتصور شاملين» كانت الخلاصة المشتركة التي تقاسمها المنتخبون بجماعة بني يخلف وسكان أكبر جماعة قروية بالمحمدية منذ أيام. « الجماعة خضعت لتوجهات الساكنة منذ عرضه إلى حيز الوجود بتاريخ22 يوليوز الماضي.» يقول أحد المتتبعين لكواليس الدورة الاستثنائية في حياة الجماعة، كان ذلك يوم الخميس 29 غشت 2013. دورة كان الهدف منها اتخاذ القرار المناسب والحسم في مشروع طال انتظاره من لدن ساكنة المنطقة. تصميم التهيئة الخاص بالجماعة والتي تمتد على مساحة اجمالية تقدر ب ثلاثة آلاف هكتارا عرض أمام العموم لمايزيد عن أربعة آسابيع لإبداء الملاحظات وقد عرف تناسلا للاعتراضات والملاحظات بلغ عددها 291 تعرضا. « الرفض تم بالأغلبية داخل المجلس وذلك بتصويت 15 عضوا ضد المشروع من أصل 19 حضروا دراسة تفاصيله» يقول مصدر جمعوي حضر الاجتماع. أبعد من ذلك فإن المشروع « لم يراع مصير العشرات من الدواوير الموجودة حاليا فوق تراب الجماعة خاصة تلك التي لم يشملها التصميم، كدوار خصومة، علما أن سكانه يتوفرون على التجهيزات الضرورية، مما يعتبر هذرا للأموال العمومية التي صرفت على انجازها». مبررات الرفض والاعتراض كانت عديدة حسب نفس المصادر، ومن بين اعتراضات الساكنة تقول قاهر زهراء رئيسة جمعية الأمل لبني يخلف المكونة لإئتلاف الجمعوي لبني يخلف، مشكل توسيع مجموعة من الطرق الثانوية والرئيسية داخل الجماعة على حساب التجزءات السكنية، كما هو الحال بالنسبة للعقار المسمى « بلاد النجاح» حيث أن الطريق التي تمر بجانب الأرض تم انجازها في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لاتتجاوز خمسة أمتار غير أن التصميم حول عرض مساحتها إلى خمسين متراو مما سيترتب عنه تقول المسؤولة الجمعوية «ضرر كبير للمنخرطين مالكي تلك الأراضي. بدوره أكد رئيس جمعية الشحاوطة للتنمية البشرية، بخصوص «حيف» التصميم « أن عددا لايستهان به من القاطنين بالشحاوطة يملكون بقعا أرضية تتراوح مساحتها مابين 60 و 120 بالعقار المسمى « بلاد العامري» ، لكن المشكل أن نصفه قاموا ببناء مساكنهم واستفادوا من مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والذي دشن من طرف جلالة الملك » المسؤول استسرل في اعتراضه « أما الجزء المتبقي في الحي فقد قام بوضع مشروع سكني لدى المصالح المختصة هذه لمدة 4 سنوات للاستفادة من من البقع الفارغة علاوة على كون هذه المنازل مزود بالماء وقنوات الصرف الصحي» قائمة التعرضات لم تتوقف عند الاجهاز على مناطق سكنية قائمة بل يؤكد رئيس الجمعية « لقد تبين في التصميم وجود مدار طرقي، وطرق تخترق البقع الأرضية ». أحياء صناعية وسط التجزءات السكنية التصميم الجديد أحدث ثلاثة أحياء صناعية بالقرب ووسط التجمعات السكنية وذلك بكل من دوار شحاوطة، أسيك، أولاد لحسن دون الاكتراث بمطالب ساكنتها واقتراحاتهم السابقة في هذا الإطار « لقد طالبنا بتخصيص وعاء عقاري لاحداث منطقة صناعية واحدة بالقرب من الطريق السيار، لتسهيل حركة المرور والحفاظ على ممتلكات الساكتة » يوضح أحد القاطنين. تقليص مساحات التعمير على حساب المشاريع السكنية ذات الطابع الاجتماعي، ثم «الإفراط» في المرافق الاجتماعية على حساب أحياء سكنية قائمة كان حاضرا كما هو الحال بالنسبة لدوار خمولة الذي أحدث منجزو وثيقة التصميم به ملعبا لكرة القدم. تناسل الانقادات طال أيضا مشكل إحداث الحزام الأخضر الذي خصص له مساحة اجمالية تصل إلى 45 بالمائة من مجموع الأراضي، هذا في الوقت الذي يشترط فيه التصميم على الراغبين في البناء التوفر على عشرة هكتارات، مع العلم أن مجموعة كبيرة من الملاك ونتيجة عمليات الإرث والتقسيم لاتتجاوز مساحة تملكهم الهكتار الواحد، مما سيحرمهم من حق امتلاك سكن فوق أوعية عقاراتهم. أصحاب الدكاكين والمحلات التجارية كان لهم أيضا موقف من مضامين الوثيقة الجديدة ، بدا ذلك على مستوى شارع المسيرة الذي يمتد من القنطرة الفاصلة على مستوى الطريق السيار وبين شارع سبة بالمحمدية إلى حدود المدار الطرقي باقرب من قيادة بني يخلف. الشارع حسب نفس المصدر سيتم تمديدة في الجانبين، مما سيعرض أنشطة المهنيين للكساد، في ظل استغراب عدد من « المتضررين » بكون ملامح التصميم كانت واضحة منذ فترة طويلة، بدليل أن تجزءات وإقامات سكنية شيدت على طول الشارع، وكان أصحابها يعلمون بالمسافات القانونية الواجب احترامها مسبقا قبل حصولهم على تراخيص استثنائية لمشاريعم العقارية، مما يفسر تؤكد بعض المصادر درجة نفوذ بعض لوبيات العقار في التحكم في خريطة التقطيع، واستباق مفاجآته. الجمعيات الممثلة للسكان بادرت من خلال الإئتلاف الجمعوي لبني يخلف بالتحرك ، قدمت رزنامة من الانتقادات لمضمون التصميم، رئيسه محمد بوخرطة فسر الأمر قائلا « الافراج عن تصميم التهيئة أعاد المنطقة إلى نقطة الصفر ، وقد خيب آمال الجمعيات المكونة للإئتلاف، خاصة في ظل تهميش معظم المقترحات السابقة، والتي لم تؤخذ بعين الاعتبار » المسؤول الجمعوي استرسل قائلا « المشكل أن أي تأخر في برامج التهيئة منصفة سيفتح المجال لتحرك لوبيات العقار الذين يقومون باستغلال الفراغ القانوني وغياب تصميم للمتاجرة بشكل غير قانونية في الأراضي، من خلال التحكم في السكن العشوائى الذي يكاد يشمل جميع الدواوير والتجمعات السكنية دون استثناء الأمر الذي يضع كل مقاربة للتصاميم المستقبلية محط انتقادات ورفض. الإتلاف الذي يضم المئات من الأسر انخرط في مسلسل تهيئة المنطقة، عبر اتمام وانجاز جميع التصاميم الهندسية بما فيها تصميم المهندس الطبغرافي والمعماري، وبامكانات المنخرطين الذاتية بكلفة تقدر ب ثمانية آلاف درهم لكل جمعية. مطالب السكان والفعاليات الجمعوية المحلية إلى الوكالة الحضرية لجهة الدارالبيضاء متعدد، منها فتح حوار مع مكونات وممثلي السكان وأخذ ، توسيع المجال العمراني ليشمل مجموعة من الدواوير االمتواجدة بتراب الجماعة بدءا من الطريق الوطنية رقم 1 الرابطة بين الرباط والدارالبيضاء ليصل إلى حدود قناة بوركراك، خاصة أن المساحة التي لم يشملها التصميم الحالي تصل إلى 2700 هكتار. أراضي فلاحية في حكم المجهول غير بعيد عن منطقة بني يخلف، وبجماعة سيدي موسى المجذوب الغنية فلاحيا تجددت خروقات التعمير وذلك منذ شهور، تزامن ذلك قبل عرض تصميم تهيئة الخاص بالجماعة. فما إن انتهت التدشينات الملكية الأخيرة في إطار البرنامج الجهوي لمكافحة دور الصفيح بجهة الدارالبيضاء، حتى اندلعت حرب بناء حقيقية وتناسل للعشرات من الدور القصديرية، في جنح الظلام، أما أبطالها حسب شهادات فهم بعض أعوان السلطة و عدد من السماسرة، والسكان أنفسهم، الذين لم يترددوا في استقطاب الراغبين في اقتناء «سكن» صفيحي بالدواوير التابعة للجماعة والتي تحول إلى قبلة مفضلة « للمشترين » حتى من خارج الجماعة، وبأثمنة «مغرية» للقاطنين بالدوار في صراع مع الزمن قبل خروج التصميم وعرضه على الساكنة لابداء الملاحظات والتعرضات. « للأسف التصميم لم يراعي ظروفنا، ومصدر العيش الوحيد للساكنة القروية هنا بالجماعة..» يقول عبد القادر بأسف شديد. عبد قادر من شباب سيدي موسى المجذوب بالمحمدية. كان يضع مشروع تصميم التهيئة الجديد للمنطقة، كان وبمعية عدد من شباب الجماعة يحاول ايجاد أجوبة للأسئلة الشائكة التي بدأت تتناسل بقوة بينهم، وحول مستقبلهم هنا. ليس بعد المنطقة ما يقلق السكان فالفرشة المائية لمنطقة الترحيل، فقيرة، ومياهها مشبعة بالملوحة، ولاتشجع على أي نشاط فلاحي.. القاطنون بالدوار الذين تعودوا على نقل منتوجاتهم الفلاحية خاصة من الخضر إلى أسواق المحمدية لبيعها. لن يكون بمقدوهم ذلك، مما سيضر بمصدر رزقهم. مضمون التصميم الذي أفرجت عنه مؤخرا الوكالة الحضرية للدارالبيضاء، كان له وقع النار في الهشيم. رغم أنه جاء لملأ فراغ مجالي كانت تعاني منه المنطقة. وحاول تقديم حلول وآفاق التنمية بالجماعة. إلا أنه قوض آمال الساكنة. « ماعرفناش كيفاش خذاو الأمور، حتا واحد مستاشر معنا قبل ما يتخذوا هاذ القرارات المصيرية» يعلق أحد القاطنين باستغراب شديد. المشروع الجديد يقترح في مسودته الأولى، خيار الترحيل إلى منطقة إسكان جديدة وبالتحديد بالقرب من المدرسة الفلاحية بجماعة بني يخلف. اختيار هذا المكان ليس اعتباطيا. فهو حسب مهندسي التصميم مجال تابع للدولة. أما مبرر الترحيل فإنه يستند « إلى وجود الجماعة القروية في منطقة بمحاذاة واد المالح. منطقة اعتبرت بالمهددة بخطر الفياضانات وانجراف التربة. توجد في مجال غير مستقر. أسباب كافية لتدفع مهندسي التصميم اقتراح نقل المركز إلى منطقة تستجيب لمعايير الاستقرار. وقريبة من المحاور الحيوية المؤدية إلي العاصمة الاقتصادية». لكن وبدل أن تكون الاقتراحات محط ترحاب فقد نزلت وقعها كالصاعقة على القاطنين، الذين لم يترددوا في التحرك وإبداء وجهة نظرهم وملاحظاتهم وتعرضاتهم. « الجميع عبر عن رفضه للترحيل، بمن فيهم المنتخبون أما الأسباب فهي ترجع إلى كون جل القاطنين يعتمدون في أنشطتهم على استغلال الأراضي الفلاحية بضفاف الوادي» يعلق أحد القاطنين باستياء.0 أما معظم الأراضي فهي مملوكة لأصحابها، أو سلالية تابعة للدولة.. فكيف يمكن تعويضها بجرة قلم » يتساءل السكان. السؤال الملح الذي يطرحه قاطنوا لمنطقة، وبعد إعلانهم عن اعتراضاتهم هو مآل ممتلكات السكان من الأراضي، هل سيتم المحافظة على حقوقهم كاملة، أم سيتم إقرار تعويضات تناسب حجم وقيمة أراضيهم. « أننا نفكر في توجيه مراسلات، وشكايات إلى الجهات المعنية، وقد نضطر إلى الاحتجاج بقوة في حالة تبني مضامين المشروع الذي يجهز ليس فقط على الأراضي الفلاحية للمنطقة، بل على آمال الساكنة كلها.