شريط أحداث قضية العفو عن مغتصب الأطفال الإسباني دانيال كالفان فينا، كما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية، وكذا تصريحات وزير العدل المغربي، يؤكد بالملموس أن الحكومة تعيش «في دار غفلون». فلا العفو مر من دواليبها (خاصة وزارة العدل)، ولا القوة العمومية التي تدخلت لتفريق المتظاهرين يوم الجمعة الأسود، توجد داخل نطاق سلطة نفوذها. لذلك، أعتبر الحادثة، تتجاوز خطأ تم تداركه بالإجراءات التي أعلن عنها الديوان الملكي، لتعبر عن أزمة أعمق على مستوى الهندسة العامة للدولة المغربية. فالحكومة الحالية، وإن نظريا، حسب منطوق الدستور الجديد، تمتلك صلاحيات واسعة تخول لها هامشا لا بأس به من المبادرة، فإنها والحالة هذه، لا حول ولا قوة لها. وعليه، ألا يمكن القول، إننا عدنا إلى نقطة الصفر، إلى ما قبل الربيع العربي، والإصلاحات التي بوشرت بعد خطاب 9 مارس؟ يرد البعض عن هذا الاستنتاج بالقول، إننا لا نزال في إطار تنزيل الدستور الجديد، وبالتالي وجب إعطاء التجربة ما يكفي من الوقت للحكم عليها. إذا كان صحيحا، أننا نمر من مرحلة انتقالية، تتطلب بعضا من الوقت حتى يتكيف الفاعلون السياسيون مع الأجواء السياسية الجديدة التي يخلقها الانتقال من الدستور القديم إلى الدستور الجديد، خاصة أنه جاء نتيجة تطورات خارجية متمثلة في ثورات الربيع العربي، إلا أن الانتقال، يجب أن يكون محدودا في الزمان، وأن لا يظل مفتوحا إلى ما لا نهاية، بمعنى آخر أن يصبح التنزيل غاية في حد ذاته، وتضيع بالتالي الغاية التي من أجلها بوشرت الإصلاحات السياسية التي أعقبت الربيع العربي، لأنه بالنسبة لنا المهم أن يكون التنزيل وسيلة لإنجاز انتقال ديمقراطي حقيقي، يكون عنوانه الأبرز، التأسيس لدولة المؤسسات. كما أن القضية، تجد صداها في صلب المطالب التي عبر عنها الشعب المغربي، متمثلة في إعطاء مؤسسة الحكومة صلاحيات واسعة تساعدها على تنفيذ برنامجها وتعطينا الحق في «طلب كشف الحساب» في آخر ولايتها، بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. الحادثة إذا هي أعمق من خطأ، إنها تعبر عن خلل في تصور العلاقة بين المؤسسة التنفيذية والمؤسسة الملكية، وبالضبط، في تصادم قراءتين للنص الدستوري، قراءة ترى فيه قنطرة للعبور نحو الملكية البرلمانية، وذلك بتكريس التأويل البرلماني للدستور الجديد، وأخرى ترنو إلى تكريس التأويل الرئاسي، وبالتالي استمرار الملكية التنفيذية. هاتين القراءتين تخترقان النسيج المجتمعي المشكل للدولة المغربية، وتجد لها مؤيدين بين الفاعلين السياسيين، في المؤسسات، الأحزاب، المجتمع المدني، وكذا المواطنين، وإن كانت القراءة الثانية (التي تقول بوجوب لعب المؤسسة الملكية لدور أكبر في الحياة العامة) يتبناها عدد أكبر من الفاعلين. ظهر هذا جليا في ردود الفعل التي أعقبت الإفراج عن البيدوفيل الإسباني، فباستثناء بعض الأصوات «النشاز»، وقطاعات محدودة من المجتمع المدني، وبعض الفاعلين السياسيين الذين يعتبرون «هامشيين»، فإن الفاعلين الأساسيين «ضربوا الطم» ولم يتفاعلوا مع القضية، إلا بعدما نطق الديوان الملكي. المشكلة إذا، لا تكمن في الدستور، أو في الحكومة، ولا حتى في المؤسسة الملكية، أعتقد أن المشكلة، تكمن في قدرة الفاعلين السياسيين في المغرب، على تحقيق انتقال ديمقراطي سلس، ينتج تقاليد ديمقراطية، تقطع مع التصور التقليداني للدولة المغربية، في أفق إرساء دعائم الدولة الحديثة، المبنية على تعاقد مواطنين أحرار ومتساوين في الحقوق والواجبات. دون هذا، سيبقى الغموض سيد الموقف في ما يخص القرارات المتخذة، والتخبط السمة المهيمنة على التدابير المعلنة لتجاوز الأزمات التي يمر منها البلد.