يعيش الكثير من المواطنين حالة توتر شبه يومية بسبب حالة الإزدحام الشديد التي تعيشها مختلف شوارع البيضاء، خاصة في أوقات الذروة. تزداد نسبة العصبية خلال شهر رمضان، لتتحول الطريق إلى مسرح لمختلف حالات "الترمضينة" التي تدفع بعض الركاب، والسائقين إلى الدخول في مشادات كلامية قد تتطور في بعض الحالات إلى عراك. «واش ممكن نزل هنا الله يخليك»، تقول سيدة في مقتبل العمر لسائق الحافلة الذي طلب منها الرجوع للباب الخلفي. لم تفقد السيدة الأمل لتعاود الطلب، « أنا صائمة ومتعبة .. لا يمكنني الوصول للباب الخلفي وسط هذا الإزدحام».. « ماشي غير نتي للي صايمة، رجعي اللور بلاما تصدعي ليا راسي » يجيب سائق الحافلة بعصبية، زادت من استفزاز السيدة التي بدأت تضرب باب الحافلة بقوة لإقناع السائق بالوقوف. صراخ هستيري داخل الحافلة لم يكترث السائق لصراخ المرأة، وقرر فتح الباب الخلفي ليسمح للركاب بالصعود، إمعانا منه في الحيلولة دون نزول السيدة التي رفضت التراجع للخلف. «حل الباب.. حل الباب» تصرخ السيدة وهي تبكي في حالة هستيرية، مما أثار حفيظة الركاب الذين انخرطوا في موجة من السب والشتم الموجه للسائق، بعد أن انضاف صراخ السيدة وعويلها إلى زحمة الحافلة وارتفاع درجة الحرارة، مما زاد حدة التوتر. في لحظة غير متفق عليها، بدأ كل الواقفين في ضرب الحافلة بقوة لإقناع السائق بالتوقف، لكنه استمر في عناده، «ماشي غير نتوما اللي كتعرفو ترمضنو» يقول السائق، مما استفز بعض الركاب الذين تسللوا من الباب الخلفي، وركضوا باتجاه الباب الأمامي لإرغامه على الوقوف من خلال اعتراض الحافلة. أمام حالة الهيجان اضطر السائق للوقوف بعد أن فقدت السيدة وعيها. بعد جهود بعض الركاب في إفاقتها، رفضت المرأة النزول بعد أن تجاوز السائق المكان الذي كانت تود النزول فيه، لتدخل من جديد في نوبة هستيرية من الصراخ والسب وهي تفترش أرضية الحافلة. تخلى الركاب في لحظة "ترمضين" عن تضامنه مع السيدة، بعد رفضها مغادرة باب الحافلة، « سيري فحالك آللا، راه حنا صايمين، وما فينا ما يبقا فهاد الصهد» يقول أحد الركاب قبل أن يفاجأ الجميع بالسيدة تنزل من الحافلة، وترميها بحجر.. !! ملاسنات بانتظار وصول سيارة الأجرة حالات الترمضينة لا تفرق بين الجنسيات، مادام القاسم المشترك بين الجميع هو معدة فارغة، وأعصاب تغلي تحت الشمس بإنتظار وسيلة نقل تنقل الجميع في رحلة العودة بعد يوم عمل شاق. ينفد صبر البعض دون أن تهل الحافلة الموعودة، وهو ما يدفع بالمنتظرين إلى مغادرة محطة الحافلات، باتجاه سيارات الأجرة الكبيرة كما هو الحال بساحة مارشال التي يتسلل الركاب هربا منها باتجاه البحث عن وسيلة نقل بديلة. أمام صف الإنتظار الطويل تشتعل شرارة الترمضينة، «آه موسيو.. رجع اللور» يقول الشخص المنظم لحركة الطاكسيات "كورتيي"، موجها كلامه لأحد الشباب الأفارقة الذي اعتقد بأن دوره قد حان لركوب سيارة الأجرة، غير أن الصوت العصبي يفاجؤه، دون اكتراث لاعتذاره. فجأة يدفع الرجل الشاب الإفريقي بكل عنف مع إمطاره بالعديد من العبارات العنصرية، «حشومة الشريف راه رمضان هادا» يقول أحد الشباب الذي تلقى بدوره نصيبه من الشتم، قبل أن يعتذر له "الكورتيي" بدعوى أنه "ترمضن عليه" بسبب عدم تدخينه وظروف عمله الصعبة تحت أشعة الشمس لساعات طويلة. للنساء بدورهن نصيب من "الترمضينة" داخل صفوف الإنتظار، «الله يخليك .. أنا هنا قبلك» تقول شابة أعياها الإنتظار لامرأة اندست في الصف دون احترام لحق الأسبقية. لم تكترث السيدة للعبارة، مما اضطر الشابة لمعاودة الكرة، « الله يخليك راه حنا صايمين وما فينا ما يتصادع، رجعي شدي الصف» لم تستسغ السيدة الملاحظة، لتدخل في مشاداة كلامية غير متكافئة مع الشابة التي التزمت الصمت، أمام العدوانية الظاهرة للسيدة التي جرفها تيار الترمضينة دون أن تتمكن من السيطرة على غضبها، مما دفع بعض الحاضرين إلى محاولة تهدئتها، وهو ما وسع رقعة المشاداة، «دخل سوق راسك أسيدي، آش دخلك لسوق لعيالات» تقول السيدة لأول رجل وقعت عليه عينها من بين صفوف المتدخلين. «ضروري شوية ديال الترمضين» الهرب من صفوف الإنتظار لا يغيب جو التوتر والإنفعال، حيث يتفرغ البعض لدقائق من أجل توجيه عبارات السب والشتم لكل وسيلة نقل أبت التوقف له، أو حمله لوجهته المقصودة، وينال سائقو سيارات الأجرة الصغيرة النصيب الأوفر من هذا التأفف، « الطريق خلال شهر رمضان تحرق الأعصاب، سواء استعنت بسيارتك، أو بسيارات الأجرة» تقول سناء الموظفة بمكتب محاماة، والتي تعيش معاناة يومية سبب المواصلات، وقد فضلت الشابة أن تستقل سيارة أجرة هربا من مزاجية والدها، « يصبح والدي شديد العصبية خلال رمضان لأنه يدخن بشراهة، كما أنه متوتر بطبعه، لذلك أتجنب مرافقته في سيارته بسبب ازدحام الطريق الذي يدفعه للدخول في مشاداة كلامية على طول الطريق، وهو الأمر الذي يشعرني بالإرهاق والتوتر أيضا». مريم تترك سيارتها طوعا خلال شهر رمضان، لتستقل سيارة الأجرة من حي المستقبل باتجاه وسط المدينة، « أنا بطبعي لا أجيد السياقة في أوقات الذروة، لذلك أصبح أكثر تخوفا خلال شهر رمضان حيث يصبح الإزدحام شديدا، إضافة إلى عصبية السائقين الذين يستعملون المنبهات بشكل عشوائي مما يخرجني عن طوعي» تقول مريم التي ترى بأن الدخول في مشاداة كلامية أمر لا مفر منه بالنسبة لسائقي السيارات في الأيام العادية، «فما بالك برمضان .. ضروري شوية ديال الترمضين» !! سكينة بنزين