وفاة أستاذة اللغة الفرنسية الحامل، بمصحة خاصة بمراكش، أخرجت المراكشيين إلى الشارع. استمرار وفيات الأمهات أثناء الولادة يثير الكثير من علامات الاستفهام. وقفات ومسيرات احتجاجية تعبر عن الغضب على واقع صحي يعيش عددا من الاختلالات. وقفات احتجاجية على امتداد الأسبوع، أذكى شرارتها، انضمام العديد من الهيئات النقابية والحقوقية وفعاليات المجتمع المدني، وأجج الشارع المراكشي الذي حول الموضوع إلى قضية رأي عام وطني. تحول دفع وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، إلى ربط الاتصال بالنيابة العامة والإسراع بإخضاع جثة الأم الحامل للتشريح قصد تحديد أسباب الوفاة. بدأت فصول الواقعة حين ألمت نزلة برد عادية بالأستاذة الأم لثلاثة أطفال، قررت معها زيارة المستشفى للتخلص من تداعيات المرض الطارئ. تفاديا ل«سير وآجي»، اختار الزوجان التوجه نحو مصحة خاصة. بمجرد ولوجهما طمأن الطبيب المعالج الزوج بعدما أكد له أن الأمر مجرد نزلة برد عادية لا تستدعي أي قلق أو خوف. تناولت الأستاذة مضادا حيويا لعلاج نزلة البرد. بعد ثوان قليلة دخلت الزوجة في حالة غيبوبة بعدما انخفض مستوى ضغطها. دخلت الأستاذة في دائرة الخطر وتدخل طبيب مختص لإنقاذ المريضة، لكن الفشل كان له بالمرصاد، لتسلم الأستاذة الروح إلى بارئها بعد 30 ساعة من الاستشفاء. مظاهر الحزن والأسى تفجرت غضبا واحتجاجا. وقع الصدمة مازال واضحا على قسمات أفراد أسرة الأستاذة، وأسر أخرى كان مصير بناتها نفس مصير الأم المتوفاة. في زاكورة كانت وفاة امرأة حامل ومولودها وراء إعفاء مدير المستشفى الإقليمي بزاكورة من قبل وزارة الصحة. ساعات قليلة بعد الإعفاء، توفيت امرأة في الثانية والثلاثين من العمر بعد وضعها مولودا ذكرا بإحدى المصحات الخاصة، بعد تعذر إجراء عملية قيصرية لها بالمستشفى الإقليمي، بسبب غياب الطبيبين، إثر استفادة أحدهما من رخصة طبية وتمتع الآخر بعطلته السنوية. حين أدركت الممرضة المسؤولة بقسم الولادة بتيزنيت خطورة الموقف، اتصلت بالطبيبة المداومة التي أنهت الفترة القانونية المخصصة لعملها وكذا فترة المداومة الأسبوعية. الممرضة أرسلت نعيمة إلى مصحة قريبة من المستشفى الإقليمي في محاولة لإنقاذها. الفريق الطبي بعد إجراء العملية القيصرية، أنقذ المولود فيما فارقت الأم الحياة متأثرة بنزيف حاد ناتج عن الولادة. لم يقف الزوج بعد الحادث عند مرحلة الغضب، بل توجه نحو القضاء لإنصافه. وزير الصحة الحسين الوردي والمدير الجهوي وجهاز الشرطة القضائية، دخلوا على الخط. استمعوا إلى الأطراف المعنية في القضية. مندوبية الصحة بتيزنيت أنجزت تقريرا مفصلا، تضمن جميع العمليات المنجزة منذ دخول نعيمة إلى المستشفى الإقليمي بتيزنيت وإرسالها في حالة حرجة إلى إحدى المصحات الخاصة. معركة الحق في الصحة والحق في الحياة تستمر. النساء الحوامل بقسم الولادة بمستشفى محمد الخامس بآسفي، لسن بأفضل حال. المستعجلات وقسم الولادة، «القلب النابض» في كل مستشفى، يعيشان على إيقاع الخصاص سواء في التجهيزات أو الأطر الطبية والتمريضية. وضعية مزرية عجلت بزيارة المسؤول الأول على القطاع الصحي الذي وجد أمامه أعضاء مركز حقوق الناس بآسفي مرابطين لتقديم الشكوى. قبل ذلك كانت منطقة جمعة اسحيم على موعد مع الاحتجاج. وقفة حاشدة للساكنة أمام دار الولادة للتعبير عن سخطها على الإهمال. فإذا كانت الولادة تمنح الحياة فإنها تتحول في القرى والمداشر والمناطق النائية، إلى رحلة نحو المثوى الأخير. عزيزة سعد غادرت دار الفناء نحو دار البقاء وهي في طريقها إلى المستشفى على متن سيارة الإسعاف بعدما رفضت دار الولادة تقديم الممساعدة إليها. وزير الصحة الحسين الوردي يزور الأسرة المكلومة ويستمع إلى التظلمات. لجنة موفدة من وزارة الصحة إلى دار الولادة بجمعة اسحيم وكذا مستشفى محمد الخامس، وعلى غرار التحقيق الذي فتح بمستشفى زاكورة، فتحت وزارة الصحة تحقيقا في القضية لتحديد المسؤوليات. لم تعتقد السيدتان اللتان دخلتا من أجل الوضع أن تخرجا مصابتين بشلل نصفي. أثناء الولادة بمصحة خاصة بسطات وبعد تخديرهما بمخدر يشتبه في أنه صيني، دخلتا في حالة غيبوبة تامة. نقلتا من مدينة سطات إلى مصحة خاصة بالدار البيضاء بعدما أصيبتا بالتهاب حاد على مستوى غشاء النخاع الشوكي. الخطأ الطبي فجر الاحتجاج الذي أجبر وزارة الصحة على توقيف طبيبين متخصصين في التخدير والإنعاش بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني بسطات، هما اللذان أشرفا على العملية القيصرية، لمزاولتهما الطب بصفة غير قانونية كما تنص على ذلك المادة 55 من قانون 10/94 الخاص بمزاولة الطب . واقع تؤكده الأرقام الصادرة عن المسح الوطني الديمغرافي. رغم إقراره بانخفاض معدل وفيات الأمهات من 227 حالة وفاة في كل مائة ألف ولادة حية سنة 2004 إلى 110 حالات وفيات، فإن وفيات الأمهات في الوسط القروي مازالت مرتفعة، إذ تصل النسبة إلى 148 وفاة لكل مائة ألف ولادة سنة 2010. نسب ترتفع في المناطق القروية والنائية، مقارنة مع التزايد الديموغرافي الذي تظل معظم المستشفيات والمراكز الاستشفائية عاجزة عن توفير الموارد البشرية الكافية لاستقباله، لاسيما وأن 80% من المواطنين، يلجؤون للاستشفاء بها بسبب الفقر، خاصة بالعالم القروي والمناطق المهمشة. سعاد شاغل