لم يختر أي منهم طواعية الانضمام إلى صفوف العاطلين، لكن الظروف حكمت على هؤلاء الأزواج بفقدان وظائفهم، وحرمتهم من مورد الرزق الذي كانوا يلبون من خلاله متطلبات أسرهم. كانوا يمنون أنفسهم بالاستفادة من دعم زوجاتهم خلال تلك الفترة العصيبة، غير أنهم سيصطدمون باتهام شريكاتهم لهم بالاتكالية وإصرارهن على طردهم من بيت الزوجية لكونهن لا يرين فيهم القدرة على تحمل مسؤولية أسرهم. لم يمض على زواجه سوى سنتين حظي خلالهما عبد الله بالمحبة والاحترام، حتى تغيرت طباع زوجته، بحيث أصبحت كثيرة التذمر والتأفف، وتثور في وجهه لأتفه الأسباب. لم يكن التغيير الجذري الذي طرأ على سلوكات زوجته بسبب افتعاله للمشاكل أو إساءته معاملتها، بل لأن الشركة الخاصة التي كان يعمل بها قررت الاستغناء عن خدماته، مكتفية بمنحه تعويضا ماديا هزيلا. «سير لدار والديك حتى تلقى خدمة»! وجد عبد الله نفسه في وضع لا يحسد عليه، فالمال الذي تحصل عليه كتعويض بالكاد يكفي لتسديد جزء من ديونه المتراكمة، ما أغلق أمامه المجال لإنشاء أي مشروع بسيط، يستطيع من خلاله الحفاظ على الوضع المادي لأسرته، في انتظار العثور على وظيفة جديدة. «شفتك استحليتي الجلسا..»، عبارة صارت بمثابة اللازمة التي تتردد على مسامع عبد الله من طرف زوجته، التي تتهمه بالاتكالية والإصرار على جعلها تنفرد بمسؤولية الإنفاق على الأسرة، بالرغم من أنه لم يمض على فقدانه لوظيفته سوى شهرين، لم يدخر خلالهما أي جهد من أجل إيجاد عمل جديد. يؤكد الزوج الثلاثيني بأنه لم يكن يوما شخصا اتكاليا، وبأن الظروف أرغمته على الانضمام إلى صفوف العاطلين، بالرغم من كونه لم يترك بابا إلا وطرقه، غير أن ذلك لم يشفع له لدى زوجته، التي أخبرته بصريح العبارة بأنها لا تنوي الاستمرار في الإنفاق عليه. «سير لدار والديك حتى تلقى خدمة»، كان هذا أفضل الحلول من وجهة نظر الزوجة، التي قررت الانتقال إلى منزل والديها، بعد تسليم مفاتيح الشقة لصاحبها بما أن عبد الله لم يعد قادرا على دفع إيجارها. أصبح عبد الله موضعا للسخرية ومثارا للاستهزاء من طرف عدد من أفراد عائلته وأصدقائه، الذين لم تعد تخفى عليهم حتى تفاصيل الشجارات التي نشبت بينه وبين زوجته، بعد فقدانه لوظيفته وتعرضه للطرد على يد الأخيرة، الأمر الذي جعل منه شخصا انطوائيا يتجنب مواجهة الآخرين، حتى لا يرى في أعينهم نظرات الشفقة على الوضع الذي آل إليه. تنتقص من رجولته لا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة إلى كمال، فهو بدوره سيفقد الوظيفة التي كان يتحمل بفضلها مسؤولية الإنفاق على زوجته وابنيه، لتصير الأسرة معتمدة بشكل كلي على راتب الزوجة، التي تشتغل في قطاع التعليم. لم يعد كمال قادرا على تلبية متطلبات البيت ومصاريف الأبناء المتزايدة، بعد أن حرم من مورد رزقه، وسرعان ما صار يلمس في تصرفات أفراد أسرته ونظراتهم الكثير من التذمر بسبب تغير الوضع للأسوأ مقارنة مع «ايامات العز» حين كان لا يزال موظفا. حتى الزوجة التي كان يمني نفسه أن تتقاسم معه الظروف العصيبة التي يمر بها لن تبدي أي نوع من التفهم لوضعه، بل على العكس، صارت معاملتها له تزداد سوءا يوما بعد يوم. «وليت حاسة براسي أنا الراجل»، عبارة خرجت من فم الزوجة الغاضبة، التي سرعان ما نفد صبرها بسبب عدم تمكن كمال من العثور على عمل جديد، وهي الكلمات التي اعتبرها الزوج انتقاصا من رجولته ونوعا من الجحود من طرف الزوجة التي تناست حسب كمال كل التضحيات التي قدمها من أجلها وعدم تقصيره في يوم من الأيام في تلبية متطلباتها. تأججت الخلافات بين الزوجين، وتجاوز الأمر حدود الاتهامات المتبادلة، ليصل إلى الطرد من بيت الزوجية الذي سيتعرض له كمال على يد زوجته، خاصة أن الأخيرة تنفرد بملكية الشقة التي يقطنان بها، حيث تجاهلت توسلات ابنيهما اللذين يرفضان فكرة الانفصال عن والدهما، واشترطت عثوره على وظيفة لاستمرار زواجهما. يعترف كمال بأنه شعر بخيبة أمل لكون زوجته ضربت عرض الحائط سنوات العشرة، لذلك فهو عازم على وضع حد لزواجه منها، حتى إذا كان نجح في العثور على وظيفة جديدة، لأنه لن يستطيع أن يغفر لها أبدا تخليها عنه في تلك الظروف الصعبة. شادية وغزو